أن العالم المنظور جزء من عالم غير منظور يمده بكل قيمته؛ وعقيدة أن غاية الإنسان الاتحاد بهذا العالم غير المنظور؛ وعقيدة أن الصلاة أي: المشاركة مع الألوهية, فعل له أثره بالضرورة.
ح- ألا تكون التجربة الدينية حالة مرضية هي عبارة عن اضطراب عصبي واختلال التوازن الجسمي, كلا، فإنما يحكم على الشجرة بثمرها، وليست تفقد الحقيقة العلمية شيئا من قيمتها متى كان المكتشف لها مرهف الإحساس حاد المزاج، وليس يغض من قيمة العبقرية وأثرها في تقدم الإنسانية اقترانها بحالات مرضية؛ وثمرة التجربة الدينية القداسة، أي: الفقر الإرادي والمحبة والإيثار، وهذه فضائل جد نفيسة للأفراد والجماعات. وليس خصب هذه التجربة هو السبب الوحيد الذي يحملنا على اعتبارها صادقة، بل هناك أيضًا اتفاقها مع وقائع التجربة النفسية، فإن هذه التجربة تدلنا على أن تحت المجال الضيق للشعور منطقة عميقة تستمر فيها الحياة الباطنة، وأن من هذا التيار السفلي تطفر عواطف وإلهامات فجائية تبدو في الشعور. أجل, يمكن تفسير ظواهر ما تحت الشعور في الحالات المرضية بأحوال الجسم؛ ولكنّ هناك نوعًا عاليًا مما تحت الشعور يرفع النفس فوق الحياة الجسمية إلى حياة روحية ممتنعة على العقل والإرادة. إن الفنان العبقري لا يشعر أنه صاحب آياته، ولكنه يميل إلى إضافتها إلى إله يستحوذ عليه ويوحي إليه, فيمكن أن نفترض أن في المنطقة اللاشعورية يتم الاتصال بيننا وبين الله وبين سائر النفوس. وعلى هذا يلوح أن خصائص التجربة الصادقة تجتمع للتجربة الدينية, فإنها تقوم على حدس أصيل، وإن لها آثارًا نافعة, وإنها بما تحت الشعور تتصل بطائفة من الظواهر معلومة. على أن الشك يظل ممكنًا إذ إن التجربة الدينية تجربة شاذة فردية غير قابلة للتحقيق بملاحظة نزيهة. وقد نستطيع رفع الشك إذا استطعنا الخروج من الذاتية وإبراز حالات يكون فيها التصور هو الفعال، لا الاعتقاد بالتصور، أي: إذا استطعنا وصل التجربة الدينية, ليس فقط بالتجربة النفسية, بل أيضًا بالتجربة الفيزيقية والمضي من فكرة عالم الأرواح وتفاعلها إلى ظاهرة فيزيقية محسوسة من الجميع مثل الإحساس عن بعد, والتعاطف عن بعد, وحضور الأرواح, والرؤيا وقت الوفاة، وما إلى ذلك من الشواهد.