عملية كبرى, إذ معناها أن العالم قد يهلك بالنار أو بالجليد دون أن ينالنا أذى لثقتنا بأن الله سيرعى منافعنا العليا على كل حال ويوفر لأمانينا وسائل إرضائها في عالم باقٍ، فالمذهب الروحي صادق بهذا المعنى وبهذا المقدار، كذلك نصنع في جسم الجدل القائم بين أنصار الحرية وخصومها, فنقول: إن الاعتقاد بالحرية مصدر قوة وإقدام؛ لأنه يتضمن إمكان البلوغ إلى الكمال, بينما المذهب الآلي يقول: إن العالم خاضع للضرورة, وإن فكرة الإمكان ناشئة من جهل الإنسان بأسباب أفعاله, فمعاني النفس والله والحرية ملأى بالمواعيد من جهة العمل، ولكنها تنقلب ألفاظًا جوفاء إذا نظرنا إليها مجردة؛ وإذن فليس لها من معنى غير معناها العملي.
ز- والتجربة الدينية تؤيد المعتقدات الميتافيزيقية. يظن العلماء أن ليس هناك سوى تجربة واحدة هي التجربة الظاهرة التي يعولون عليها، والواقع أن العلم بعيد عن التجربة وأنه يبتعد عنها كلما تقدم، فإنه يضحي بها ويستعيض عنها بمعان تبسطها وتزعم تفسيرها, فيتجه إلى الآلية التي ترد الكيفيات المحسوسة إلى الحركة، بل يرد إلى الحركة الفكر نفسه. إن هناك نوعين آخرين من التجربة، هما التجربة النفسية والتجربة الدينية، وكلتاهما مؤكدة واجبة الاحترام. وقد رأينا أن للتجربة النفسية خصائص ذاتية مباينة لخصائص الجسم المتصلة به ولخصائص سائر الأجسام. أما التجربة الدينية على اختلاف صورها فلها خاصيتان مشتركتان بين هذه الصور؛ إحداهما قلق من الألم أو الشر, والأخرى شعور بالنجاة من الألم أو الشر بفضل "قوة عليا" تشهد بفعلها في حياة النفس نتائجه الحسنة، وكان جيمس قد انتابته وهو في التاسعة والعشرين أزمة حادة من النورستانيا، فشفي منها بقبوله فكرتي العون الإلهي والحرية الكفيلة بتغيير مصير الإنسان، وآمن بالتجربة الدينية، وقادته دراستها إلى أنها أغنى وأعمق من التجربة العلمية، وأنها تفسر إذا سلمنا أننا نشارك مشاركة لاشعورية في موجود أعظم منا نستطيع أن نسميه الله أو الألوهية, وأنها تدخلنا بالفعل في عالم تتصل فيه الأرواح وتتفاعل، لا من خارج وبوساطة ألفاظ وإشارات، بل من داخل وبدون واسطة؛ لأنها شعور قوي غير منازع بحضور إلهي يمنحنا ما لم تكن لتوفره لنا جهودنا واستدلالاتنا, وعلى هذه التجربة تقوم العقائد الثلاث التي ترجع إليها الحياة الدينية: عقيدة