الطبيعة لبساطة المادة وكثرة الإمكانات في تنوع الحركة. أما في علم الحياة وعلم النفس وعلم الاجتماع حيث الموضوع أخص وأعقد, فلا بد من ملاحظة الأشياء أنفسها لأجل معرفتها, وأيا كان نصيب الاختراع في النظريات الطبيعية فلا جدال في أن واضعيها يراعون الظواهر ويحرصون على أن تتفق معها، والظواهر أمور حقيقية وليست اختراعًا, بل إن نجاح النظرية معناه امتحانها بشيء مستقل عنها، وإلا لنجحت أية نظرية وأفادت في العمل أية وسيلة, فالحقيقة مطابقة الفكر للوجود؛ أما العمل فإنه يبين الحقيقة ولا يكونها.
ك- والأمر واضح أيضًا في المسائل الخلقية التي تصدر الآراء فيها عن نزعتين، إحداهما النزعة الحسية والأخرى النزعة الروحية، فتحتمل عملين، أحدهما اللذة والآخر الواجب, فأي عمل يقصدون وأية منفعة يريدون؟ إنهم يجيبون: المنفعة العليا! فنسألهم: بأي حق ترتبون المنافع وتخضعون بعضها لبعض وأنتم تزدرون النظر وتنكرون أن يكون للأشياء حقائق وقيم؟ وما قيمة المنافع العليا بإزاء المنافع السفلى ونحن نعيش في عالم مادي والمادية مغايرة للفضيلة، فلا الطبيعة فاضلة أو مطابقة للفضيلة بالذات, ولا الفضيلة موجهة بالذات للنجاح في وسط الطبيعة, والموت في آخر الأمر واقف بالمرصاد قد يبدد المنافع جميعها؟ وليس بصحيح أن المادية مثبطة للعزيمة، فإنها خليقة أن تنفخ في صدر المؤمن بها أعظم النشاط وأجرأ الإقدام لكي ينتهب من متاع الدنيا وما وسعه الانتهاب. وإذا كان صحيحًا أن فكرة الله والخلود منشطة، فعلى شرط أن يكون الله موجودًا وأن يكون إيماننا به معقولًا؛ أما إذا لم يكن شيء من هذا فالفكرة وهم خادع وخيبة مرة، والأخذ بها وقوع في دور لعل كتب المنطق لم تذكر أبدع منه، إذ إنها تريدنا على أن نعتقد بالله وبالخلود لأن هذا الاعتقاد مفيد، والفائدة المرجوة منه لا تتحقق إلا بوجود الله والخلود, على أن جيمس يقول: إن التجربة الدينية تدلنا على وجود الله، ونحن نسلم بهذه التجربة، ونرى من المستحيل استبعاد التصوف جملة من التاريخ الإنساني كما يريد كثيرون من "العقليين" غير أننا نرى من جهة أخرى وجوب التمييز بين التجارب؛ فإن منها الصادق ومنها الكاذب, وجيمس لا يدل على محك للتمييز، بل يقبل كل تجربة، ويعد استحضار الأرواح تجربة قاطعة، ثم نقول: إذا كانت المعتقدات الميتافيزيقية