التطور Evolution ترقي الكائن من التجانس إلى التنوع وتكامله على هذا النحو، وإن يكن اللفظ في حد ذاته لا يدل على غير التحول أو الانقلاب من حال إلى حال أيا كانت, والانحلال Dissolution عكس التطور، أي: تفرق العناصر المؤتلفة، بل عودة العناصر المتنوعة إلى التجانس. غير أن الأستاذ لالاند وجه لفظ الانحلال إلى معنى إيجابي مختلف عن هذا المعنى السلبي. فدل به على ارتداد المتنوعات المتنازعات إلى وحدة عليا هي ترقّ وتقدم، على ما سيتبين بعد حين، ولكن الناس كانوا قد ألفوا المعنى السلبي وحده كمدلول للفظ الانحلال، فكان هذا اللفظ مدعاة لشيء كثير من التردد وسوء الفهم لدى قارئي الرسالة. ثم إن الرسالة كانت مثقلة بشواهد مستمدة من علوم الطبيعة والحياة والاجتماع، وكان تقدم هذه العلوم يبطل كثيرًا من هذه الشواهد. وكان الأستاذ لالاند دائب التفكير في كل ذلك بالطبع؛ فلما آن الأوان عاد إلى رسالته بالتنقيح والحذف والإيجاز، مع محافظته على الفكرة الأساسية، وأخرج طبعة ثانية بعنوان "الأوهام التطورية" Les illusions evolutionistes " ١٩٣٠ في ٤٦٠ صفحة" وهو عنوان أضيق من محتوى الرسالة، إذ إنها لا تقتصر على تبديد بعض أخطاء وقعت فيها فلسفة التطور، ولكنها تشتمل على قسم تركيبي هو مذهب المؤلف وهو إذن القسم الأوهم. في هذه الطبعة الثانية أبدل كلمة Dissolution التي تعني الانحلال بكلمة Assimilation أي: التمثيل أو التحول من الاختلاف إلى التشابه، كتمثيل الكائن الحي غذاءه، وبكلمة lnvolution وهي تستعمل بالإنجليزية منذ منتصف القرن التاسع عشر بمعنى مضاد لمعنى Evolution وبنوع خاص بمعنى اضمحلال الكائنات المنوعة وانحطاطها، لكن الأستاذ لالاند يريد بها المعنى الذي أراده في الأصل وهو ارتداد المتنوعات إلى ضرب من التجانس العالي أو تراجعها إلى وحدة عليا. وقد أضاف هوامش عديدة تناول فيها نتائج مؤلفات أحدث عهدًا، وبين موقفه الخاص. وتعد رسالته من أهم المصنفات في الفلسفة المعاصرة؛ لما امتازت به من سمو المقصد ودقة التحليل وقوة الحجة وبعد المرمى في نصر الروحية على المادية.
ج- يعتبر الأستاذ لالاند مذهب التطور مجرد فرض؛ ثم يسلم بأنه الآن أقرب الفروض إلى الحقيقة، وأن تاريخ الحياة على وجه الأرض يتلخص في أنها