قوة تعمل على إيجاد كائنات أكثر فأكثر تركزًا وملاءمة مع البيئة, وأنها منذ أدنى صورها وأبسطها توكيد للفردية واجتهاد في تنميتها على حساب المادة البحتة وحساب سائر الأحياء، ومن ثمة تنازع مستمر للبقاء. بيد أن هذا المذهب الواسع تعوزه الدقة ويشوبه التناقض، وهو مع ذلك، أو من أجل ذلك، رائج لدى الجمهور لأنه يخاطب المخيلة. إذا كان التطور أمرًا مشاهدًا, فمشاهد أيضا أن الكائن الحي يبذل مجهودا هائلا في دفع العدوان عليه، وأنه بذلك يحافظ على كيانه فيصون نوعه من التغير. على أن هناك ما هو أعظم خطورة: إذا كان التنوع قانون الحياة، فإن لعالم الجماد قانونًا آخر لم يعره أصحاب التطور ما يستحقه من عناية. إن الطبيعة بأسرها تتقدم في اتجاه محتوم هو تناقض الاختلاف, وبوجه خاص تناقض التفاوت بين الطاقة والكتلة، أي: إنها تتقدم ببطء صوب ما يسميه العلماء موتها الطبيعي، صوب حال يتلاشى فيها الاختلاف، وتتلاشى الطاقة، ويتحقق توازن تام لا يختل من تلقاء نفسه بعد ذلك. والحياة مسوقة إلى هذه النهاية, فالقانون الأعم قانون تساوٍ وتوازن, وسير الطبيعة في جملتها تراجع لا تطور، والذي ينحاز إلى جانب الحياة، ويصطنع لنفسه مذهبًا ما تنم عليه من روح انتشار وفتح، ينحاز إذن إلى قضية خاسرة.
د- هذا التراجع تنفر منه الغريزة الحيوية وتفزغ من نهايته المحتومة التي هي القضاء على الحياة. ولكن العقل يرضى عنه كل الرضا، والعقل لا يدرك إلا الماهية الثابتة, ولا يقدر أنه فسر الأشياء إلا إذا ردها إلى ضرب من الوحدة والمساواة. "من الوجهة المنطقية، كل فارق فهو أمر حادث يدعو للعجب ويتطلب تفسيرًا بل تصحيحًا. إذا رأيت برجين غير متساويين فوق بناء بعينه، وسطحين مختلفين في بقعة من الماء بعينها, وميلين متعارضين في شعب بعينه، فإن عقلي يبحث حتمًا عن سبب هذا التباين". وعلى ذلك فبين العقل والجماد الثابت المتساوي اشتراك ومماثلة، وبينه وبين الحياة المتغيرة المتنوعة تقابل ومخالفة, فإن النمو، وهو الخاصية الأساسية للحياة، شيء غامض قليل المعقولية، وإن العقل وظيفة تمثيل: إنه يعمل على تمثيل الأشياء لذاته بأن يطبق عليها معانيه ومبادئه فيجعلها معقولة، وعلى تمثيل الأشياء بعضها لبعض وبذلك يفسرها التفسير العلمي، وعلى تمثيل العقول بعضها لبعض وبذلك يحقق موضوعية العلم. فالعمل