تحتمل المشاركة فيها دون نقصان أو زوال، بل إن حظ كل فرد منها يتعاظم كلما تكاثر عدد المشاركين فيها، وإلى تحويل ما في الحياة من شهوة عمياء ونزوع نهم للفتح والتملك إلى محبة مستنيرة لإخواننا في الإنسانية. بتأثير العقل انتشرت فكرة المساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات القانونية والسياسية، فدبّ الوهن في الطبقات الاجتماعية وتحللت رويدا رويدًا في الهند ومصر وروما، في العصر القديم والعصر الوسيط. وبتأثير العقل استحال نظام الأسرة من السلطة إلى الحرية، وتدرجت حال المرأة من الانزواء والخنوع إلى المساواة بالرجل، وشاعت فكرة السلام العام والاتحاد بين الدول من المثقفين إلى الجمهور. فليست الأفكار الأخلاقية مجرد أفكار، ولكنها قوى تعمل في الواقع وتكيف الطبيعة الإنسانية والمجتمع الإنساني بالرغم من مقاومة الأنانية البيولوجية. وهكذا يوجد الفكر المروي في هذا الميدان نوعًا جديدًا من التراجع، أو هو يدفع بالتراجع إلى الأمام على نحو خاص به هو وبوسائل جديدة, فإذا بالتراجع هو في حقيقة الأمر القانون العام للطبيعة, وإذا بمذهب التطور, وقد ظن أنه يجد في دائرة الحياة خير ميدان لتأييد مبادئه، يفوت أهم ما في الدائرة الإنسانية وأدعى ما يستدعي النظر.
وبعد هذا الوصف للعقل والدفاع عنه، قضى الأستاذ لالاند حياته في تعمق وجهة نظره وتأييدها, يحدوه الإيمان بخطرها البالغ في بناء العلم وتوجيه الحياة وتدبير السيرة, فنشر كتابًا في "نظريات الاستقراء والتجريب"" ١٩٢٩ " La theorie de linduction et de lexperimentation هو سجل نفيس للغاية يعرض هذه النظريات ويمحصها، وينتهي إلى أن أساس الاستقراء التعميم، وأن التعميم خاصية أولية للفكر الإنساني, وأن التمثيل أو التراجع قانونه. ونشر أخيرًا كتابًا عنوانه "العقل والمعايير"" ١٩٤٨ " La raison et les normes كان قد ألقاه دروسا قبل عشرين سنة، يرد فيه على الفلاسفة التجريبيين الذين يذهبون إلى أن المعقولات الرئيسية, كالزمان والمكان والعلة والقانون وما إليها، وحتى العلوم الرياضية مستفادة من التجربة، وأن تاريخ المعرفة يدل على أن مفهوم هذه المعقولات قد تغير باستمرار, ويخرجون من هذا إلى إنكار قيمة العقل، فيسلم الأستاذ لالاند بالمقدمتين وينبذ النتيجة, وذلك بملاحظة أن تغير مفهوم المعقولات يسير سيرا تراجعيا, وأن التراجع إذن هو القانون الأساسي, وأنه