للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بتحقيقها أي: التي رأيناها في الماضي تحقق معلولًا شبيهًا بالذي ننشده. والعلاقات التي تسيطر على الترابط ههنا هي علاقات التشابه والعلة والمعلول والمبدأ والنتيجة والغاية والوسيلة والدالّ والمدلول, فلا يستطيع هوبس أن يفسر الحياة الفكرية تفسيرًا آليًّا.

ج- على أننا نجد عنده تفسيرًا آليًّا للإرادة. ذلك أنه يقول: إن الحركة الدماغية التي هي التصور إذا ما بلغت إلى القلب نشطت الحركة الحيوية أو عاقتها، ففي حال التنشيط تكوّن اللذة وتسمى خيرًا، وتكون محبة الشيء اللاذ؛ وفي حال العوق يكوّن الألم ويسمى شرًّا، وتكون كراهية الشيء المؤلم. وحركة اللذة تدفع إلى اشتهاء الشيء، وحركة الألم تدفع إلى خوفه؛ فالاشتهاء والخوف هما الباعثان على جميع أفعالنا؛ وما الرواية أو المشورة إلا تردد هذين الباعثين إلى أن يحدث الفعل أو نمتنع منه. فالاشتهاء الأخير والخوف الأخير يسميان إرادة, والأوامر والنواهي إنما تؤثر بالترغيب والترهيب.

د- ولما كان المذهب المادي يستتبع الاسمية، فقد أنكر هوبس المعاني المجردة وقال: إن كل ما هنالك أسماء تقوم مقام الصور الجزئية. وفسر الحكم بأنه تركيب ألفاظ بحيث تعني القضية الموجبة أن الموضوع والمحمول اسمان لشيء واحد، وتعني القضية السالبة أن الاسمين يختلفان في الدلالة؛ وفسر الاستدلال بأنه تركيب قضايا، وقال: إن نتائجه ليست منصبّة على الأشياء بل على أسمائها، أي: إننا بالاستدلال نرى إن كنا نحسن أو نسيء تركيب أسماء الأشياء طبقًا للعرف الموضوع في تسميتها. وفي هذا يقول ديكارت في ردوده: "من ذا يشك في أن الفرنسي والألماني يتصوران نفس المعاني أو الاستدلالات بصدد نفس الأشياء مع تصورهما ألفاظًا مختلفة كل الاختلاف؟ إذا كان هذا الفيلسوف يسلم بأن الألفاظ تدل على شيء، فلِمَ لا يريد أن تكون ألفاظنا واستدلالاتنا متجهة إلى الشيء المدلول عليه, لا إلى الكلام نفسه؟ ".

هـ- ومتى كان الإحساس المصدر الوحيد للمعرفة، كانت معرفتنا مقصورة على ما تتناوله بالفعل من الماديات المحدودة، فامتنع علينا العلم بالعالم في جملته، مقداره ومدته وأصله، وامتنع علينا من باب أولى العلم باللامتناهي. وهوبس ينكر إمكان التدليل على وجود الله بالوقوف عند حد في سلسلة العلل، ويزعم أن كل علة فهي متحركة بالضرورة؛ لأن شيئًا لا يتحرك بفعل شيء لا يكون هو نفسه

<<  <   >  >>