متحركًا، وهكذا نتداعى إلى غير نهاية. وهو لا يرى أنه بهذا القول يسقط مبدأ العلة الذي يستند إليه، إذ إنه يجعل من جميع العلل معلولات فلا يصل إلى علة بمعنى الكلمة، ويخلط بين سلسلة العلل المتعاقبة بالعرض، وفيها يمكن التداعي إلى غير نهاية، وبين سلسلة العلل المترتبة بالذات، وفيها يجب الوقوف عند حد. وهو يقول ضد ديكارت: إن اللامتناهي يجب أن يؤخذ بمعنى معدول، أي: بمعنى ما لا نبلغ إلى نهايته، وإن لفظ اللامتناهي لا يدل من ثمة على موجود حقيقي أو خاصية محصلة لموجود ما، بل على قصور عقولنا وانحصار طبيعتنا، فيخلط بين الموجود في نفسه وبين طريقة تخيلنا إياه. على أنه يصرح في مؤلفاته السياسية بأننا إذا ارتقينا في سلسلة العلل انتهينا إلى علة سرمدية لا علة لها؛ وذلك لأنه يعترف بالدين لأسباب عملية لا نظرية كما سنرى, ويقرر أنه لا يجوز أن نطلق على الله الألفاظ المقولة علينا وعلى الموجودات المتناهية، كالألم والاحتياج والعقل والإرادة، وأن الألفاظ المعدولة وأسماء التفضيل مقبولة وحدها في حق الله؛ لأنها تدل على إعجابنا وخضوعنا لا على ماهية الله؛ بل إن لفظ اللاجسمي إذ نطلقه على الله ما هو إلا صفة تشريفية ليس غير؛ لأن كل موجود فهو جسمي.
٣٠ - الأخلاق والسياسة:
أ- إذا كان الإنسان على ما قلنا، كانت سيرته كلها قائمة على غريزة حب البقاء، وكانت هذه الغريزة بالإضافة إلى الحياة الإنسانية كالحركة بالإضافة إلى الطبيعة, فمن الخطأ الاعتقاد بغريزة اجتماعية تحمل الإنسان على الاجتماع والتعاون، وإنما الأصل أو "حال الطبيعة" أن الإنسان ذئب للإنسان، وأن الكل في حرب ضد الكل، وأن الحاجة واستشعار القوة يحملان الفرد على الاستئثار بأكثر ما يستطيع الظفر به من خيرات الأرض، وإن أعوزته القوة لجأ إلى الحيلة. يشهد بذلك ما نعلمه عن أجدادنا البرابرة وعن المتوحشين، وما نتخذه جميعًا من تدابير الحيطة وأساليب العدوان، وما نراه في علاقات الدول بعضها ببعض؛ وغاية ما تصنعه الحضارة أن تحجب العدوان بستار "الأدب" وأن تستبدل بالعنف المادي النميمة والافتراء والانتقام في حدود القانون.
ب- بيد أن الطبيعة الإنسانية تشتمل على العقل إلى جانب الهوى؛ والعقل