الصرخة التي لن تلبث أن تدوي في أرجاء أوروبا:"لتسقط شيعة الأرسطوطاليين! ".
ج- يصل الكردينال دي كوسا إلى الله والتصوف بتحليل المعرفة على طريقة الأفلاطونيين, المعرفة بالإجمال ورد الكثرة إلى الوحدة، أو هي تركيب وتوحيد. ففي المعرفة الحسية، التوحيد في غاية النقص، إذ إن الحواس تقبل الإحساس متفرقة، وتدرك الأجسام إدراكًا غامضًا. ثم يزيد التوحيد بتكوين معاني الأنواع والأجناس، أي: بردّ الجزئيات إلى ماهيات، ونظمها في قضايا وفقًا لمبدأ عدم التناقض, وهذا عمل العقل الاستدلالي، يعطينا علمًا محدودًا نسبيًّا مؤلفًا من احتمالات؛ لأنه ليس في العالم شيئان متشابهان تمام التشابه، وإنما هناك جزئيات منفصلة مستقلة لا يقاس بعضها على بعض. وهذه هي الاسمية التي أخذها عن أساتذة هيدلبرج، ثم يبلغ التوحيد أقصاه في الحدس، فتبطل عنده قيمة مبدأ عدم التناقض، وتدرك النفس توافق الأضداد التي يعرضها العقل الاستدلالي منفصلة متقابلة. وليس هذا الحدس معرفة، إذ إن المعرفة لا تحصل بغير كثرة واختلاف, فكمال التفكير في وقوف التفكير. فالجهل الحكيم معرفة الفكر لحدوده، واعتقاده بالوحدة المطلقة وراء هذه الحدود، وبأن ليس مبدأ عدم التناقض المبدأ الأعلى، وليس الجدل العلم الأعلى الذي يخضع له العقل والإيمان، على ما يريد الاسميون. إن النقائض والأضداد ملازمة لعلمنا بالمتناهي، ولكنها تمحى في اللانهاية؛ فالخط المنحني إذا صححنا انحناءه إلى ما لانهاية، جعلناه كالخط المستقيم، وإذا فرجنا الزاوية القائمة في المثلث إلى ما لانهاية، اختلط وترها بالضلعين الآخرين؛ ومتى اعتبرنا الحركة كأنها سكونات متتالية، اتفقت مع السكون؛ وهكذا في جميع الأضداد.
د- فالله الموجود الأعظم اللامتناهي الحاوي كل وجود، حتى النقائض:"هو الأشياء جميعًا في حال الوحدة أو الانطواء، والعالم الأشياء جميعًا في حال الكثرة أو الانتشار. الله الموجود المطلق الذي بلغت فيه كل قوة إلى الفعل, والعالم الموجود المتشخص المركب المنتقل من القوة إلى الفعل". وجود العالم لا وجود بالقياس إلى الوجود الإلهي؛ لذا يجب أن ننفي عن الله كل تعيين، فلا يبقى لنا شيء نسميه؛ لأن كل اسم فهو ناشئ عن تفريق وتمييز, وهذا هو اللاهوت السالب كما صادفناه عند ديونيسيوس وسكوت أريجنا؛ وإذا أطلقنا على الله أسماء