فإنما ندل فقط على أنه نموذج الموجودات ومصدرها, وهذا هو اللاهوت الموجب؛ أما العالم فيرجع كله إلى الله، إذ إن كل موجود فهو يرمي إلى استكمال ماهيته, ويرجع الإنسان إلى الله بالمعرفة، فإن طبيعته العقلية تسمح له باتحاد بالله أوثق, وكل هذا نعرفه عن الفلاسفة الذين ذكرناهم. وقد اتهم الكردينال دي كوسا بوحدة الوجود، فأنكر التهمة, وهو يفسر معنى توافق الأضداد والانطواء الإلهي بما لا يدع مجالًا للشك في مقاصده، فيقول: إن الله أوجد العالم "عن قصد" لا ضرورة، وهذا ينفي كل اشتراك في الوجود بين الخالق والمخلوق.
٤ - مرسيليو فتشينو " ١٤٣٣ - ١٤٩٩ ":
أ- في هذا الوقت الذي نؤرخه، لم يكن جميع الأفلاطونيين مؤمنين بالوحي المسيحي مثل الكردينال دي كوسا، بل كانوا في معظمهم أصحاب دين طبيعي قائم على الله والنفس والخلود والحرية، يستمدون الأدلة المؤيدة له من كتب أفلاطون، ويقنعون بهذه الأركان الأربعة لكي يصفوا الفلسفة بأنها مسيحية، معارضين رشديي بادوفا الذين كانوا يعتقدون بالمنافاة بين الطرفين. وأول من افتتح النزاع بين الأفلاطونيين والأرسطوطاليين، العالم اليوناني بليثون plethon، فقد أسس بفلورنسا أكاديمية أفلاطونية كسبت عددًا كبيرًا من الإيطاليين إلى جانب أفلاطون، ونشر سنة ١٤٤٠ رسالة ضد أرسطو، وخلفه على المدرسة مواطنه الكردينال بساريون.
ب- وأشهر أتباعهما مرسيليو فتشينو, نقل إلى اللاتينية تساعيات أفلوطين " ١٤٩٢ " وشرح أفلاطون في كتاب أسماه "الإلهيات الأفلاطونية في خلود النفس" وقال في مقدمته: إن الحاجة ماسة إلى دين فلسفي يستمع إليه الفلاسفة بقبول، وقد يقتنعون به. على أن أهمية فتشينو قائمة في تعريف الغربيين بكتب أفلاطون وأفلوطين، وقد طبعت كتبه مرارًا بباريس خلال القرن السادس عشر، وكانت مصدر العلم بالفيلسوفين.
٥ - جان بيك دي لاميراندول " ١٤٦٣ - ١٤٩٤ ":
أ- وتلاقت في تلك البيئة المضطربة، الأفلاطونية والفيثاغورية والكابال اليهودية والمذاهب السرية ١ , فنشأت مذاهب غريبة تشترك في الاعتقاد
١ لفظ الكابال يعني التقليد "الموروث أو المقبول" من فعل: قبل يقبل، والكابال جملة شروح رجال الدين من اليهود على التوراة، وهي شروح من الغرابة والبعد عن الأصل بمكان.