للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسافة، وتعين البحث فيما إذا كان يقابلها موضوع حقًّا، أو كانت مجرد تصور، فإذا ثبت لها موضوع، قيل حينئذ: إن الوجود محمول ذاتي له كما قدمنا. وبعبارة أخرى: إذا ثبت وجود الله، فقد ثبت أن الوجود واجب له؛ أما الانتقال من الوجود المتصور إلى الوجود الواقعي، فغلط أو مغالطة، وقد نبه على ذلك القديس توما الإكويني في رده على دليل القديس أنسلم. أما عن الدليل الثاني، فما دامت فكرتنا عن الله ناقصة ومكتسبة بالاستدلال، فليست تتطلب علة لامتناهية، وليس ما يمنع أن تصدر عن الموجود المتناهي الذي يتصورها، وهو إنما يتصورها بحكم ينفي الحد ويطلق الموجود من كل قيد. وأما عن الدليل الثالث، فلا مسوغ للانتقال من وجودي المتناهي إلى الموجود اللامتناهي، إذ إن هذا الانتقال لا يتم عند ديكارت بتطبيق مبدأ العلية على وجودي، بل بواسطة حصول فكرة اللامتناهي في فكر متناهٍ لو كان خلق نفسه لكان خلقها كاملة لامتناهية؛ فإذا كانت فكرتي عن اللامتناهي ليست لامتناهية، فقد بطل الاستدلال، ولم يبق منه إلا أني قد أكون خالق نفسي، أي: قد أكون، وأنا موجود متناهٍ حاصل على أفكار متناهية، خلقت نفسي متناهيًا! إلى مثل هذا التناقض يرجع دليل ديكارت متى أبطلنا الواسطة المبني عليها, أي: كون فكرة اللامتناهي محصلة بسيطة أولية. وقد استعاض ديكارت بفكرة انقسام الزمان إلى غير نهاية، عن فكرة الإمكان التي استخدمها السلف، أو أنه نقل الإمكان إلى اللحظة الآتية التي لا يستطيع فيها المخلوق استبقاء وجوده، فيجدد الله خلقه. فدليله لا يرمي إلى إثبات بداية للمخلوق، بل إلى تفسير دوامه وحفظه في الوجود, وهذا تصور غريب لدوام المخلوق ولحفظ الله له.

ز- وغريب كذلك تصور ديكارت لماهية الله, فإن الله عنده حر قدير حتى ليعتبر "بالإضافة إلى ذاته بمثابة العلة الفاعلية بالإضافة إلى معلولها" بل حتى إنه "لو لم يكن إعدام الذات نقصًا، لأمكن إضافة تلك القوة إليه"، وتتناول حرية الله كل شيء، ليس فقط ما نراه ممكنًا، بل أيضًا "الحقائق الدائمة" رياضية وفلسفية، وماهيات المخلوقات. فإن الله صانع الأشياء جميعًا، وهذه الحقائق والماهيات أشياء، فهو إذن صانعها. أجل إنها تبدو لنا ضرورية، ولكن الله هو الذي أراد أن تكون كذلك، وفرضها على عقلنا. لقد كان الله حرًّا

<<  <   >  >>