للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويجرب، وطالت تجاربه عشر سنين صنع خلالها خمسين نموذجًا أو يزيد، حتى سجل اختراعه سنة ١٦٤٩ وبعد ثلاث سنين وضع النموذج الأخير، فأثار إعجابًا عامًّا.

ج- وفي الثانية والعشرين اتجه صوب العلم الطبيعي, إذ علم أن توريتشلي ملأ أنبوبة زئبقًا وغمسها في حوض مليء بالزئبق فنزل عمود الزئبق في الأنبوبة وترك جزءها الأعلى خاليًا. فاهتم بهذه التجربة جد الاهتمام، وأعادها فنجحت، وبدت دليلا على وجود الخلاء. ولم يقنع بذلك وتخيل تجارب منوعة، فاستخدم سوائل مختلفة "الماء والزيت والنبيذ" وآلات مختلفة "المواسير والرشاشات والمنافخ والسيفونات" وميولا مختلفة على الأفق، وفي النهاية اعتقد أنه دلل على وجود الخلاء المطلق ضد أرسطو وديكارت. واعترض معترض، فرد عليه، وضمن رده أقوالًا صريحة قوية في شروط المعرفة العلمية وقواعد المنهج القويم. إنه يأبى أن يؤمن بغير التجربة؛ لذا هو يؤمن بالخلاء البادي للحواس، ويسخر من قول القائلين: إن الطبيعة تنفر من الخلاء، ويسخر من المادة اللطيفة التي يملئون بها الخلاء والتي لا تبصر ولا تلمس, وكان توريتشلي قد افترض أن ضغط الهواء على سطح الحوض هو الذي يستبقي الزئبق معلقًا في الأنبوبة؛ فأجرى بسكال التجارب سنة ١٦٤٨ في سفح جبل وفي قمته، في برج كنيسة وفي منزل خاص، فكانت النتيجة أن الزئبق ينخفض بنسبة الارتفاع؛ لأن ضغط الهواء أخف في أعلى منه في أسفل. ثم ربط قوانين توازن السوائل بمبادئ الميكانيكا العامة, فمنهجه المضي من التجربة إلى النظرية بخلاف ديكارت.

د- وحوالي ذلك الوقت اتجه اتجاهًا آخر, إذ اتصل بقساوسة علماء وقرأ كتبًا دينية، فأدرك إدراكًا قويًّا أن المسيحية تقتضينا أن نحيا لله وحده. أجل, إنه كان قد نشأ على التمسك بالفضيلة واحترام العقيدة. كان والده يقول: إن العقيدة موضوع إيمان فلا تبحث بالعقل، وكان هذا القول عاصمًا له من الشك، وفي نفس الوقت صارفًا عن علم اللاهوت. وهذا موقف سيكون له أثره في مذهبه.

فوجه همه إلى بلوغ كمال الفضائل المسيحية، حتى أثر في والده نفسه، وفي إحدى أختيه فدخلت الدير, غير أن مجهوداته البالغة كانت قد نالت من صحته منذ الثامنة عشرة، وازدادت صحته سوءًا فيما بعد وانتابته أوجاع لازمته طول حياته

<<  <   >  >>