للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى منفعتنا الحقة فحسب، وجب علينا أن نتمنى أن يكون الدين حقًّا " ٢٣٣ ". فإذا كسبنا كسبنا كل شيء, وإذا خسرنا لم نخسر شيئًا.

ط- ذلك هو المذهب, فيه شيء من منهج القديس أوغسطين, وبينه وبين منهج ديكارت شبه قوي؛ عند ديكارت نجد مونتني من جهة والعلم من جهة أخرى، فيمضي المنهج من الشك إلى اليقين؛ وعند بسكال نجد مونتني من جهة والدين من جهة أخرى، فيمضي المنهج من القلق إلى الإيمان. ويقول اللاهوتيون: إن دلائل الوحي هي الدلائل الوحيدة على العقائد الدينية الفائقة للطبيعة، وإن النعمة الإلهية هي الوسيلة الوحيدة للإيمان؛ فمد بسكال هذا القول إلى الحقائق العقلية الطبيعية، مثل وجود الله وخلود النفس، وأراد أن يكون التدليل في العلم الطبيعي, وفي مصير الإنسان على السواء, بالتجربة "الظاهرة والباطنة" لا بالاستدلال العقلي. فشق طريقًا سيلجه كثيرون من بعده, أشهرهم كانت الذي يقدم العقل العملي على العقل النظري، وأصحاب البراجماتزم على اختلافهم الذين يمتحنون القضايا الميتافيزيقية بفائدتها العملية. والسبب واحد عندهم جميعًا هو الشك في العقل، وإرادة تجاوز الحس مع ذلك. وقد أعطانا بسكال نظرة المسيحية إلى الوجود في هذه العبارة الجامعة التي تلخص مذهبه أحسن تلخيص, حيث قال: "جميع الأجسام، السماء والنجوم، الأرض وكمالها، لا تساوي أدنى الأرواح، إذ إنه يعلم كل هذا ويعلم ذاته، وليست تعلم الأجسام شيئًا. الأجسام جميعًا والأرواح جميعًا وجميع محدثاتها لا تساوي أدنى حركة من حركات المحبة، فإن هذا يرجع إلى مرتبة أعلى بما لا نهاية" " ٧٩٣ ". تلك هي "المراتب الثلاث" التي أذاعتها عبارته هذه: الجسم والروح ومحبة الله. ولأجل إقناع الناس بهذه النظرة كتب "الخواطر", وبسبب اقتناعه بها زهد في الدنيا وتحمل الآلام المبرحة.

<<  <   >  >>