للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الأهمية بحيث لا يظل عديم المبالاة بالإضافة إليه إلا من فقد كل شعور. إن أفعالنا وأفكارنا تتخذ سبلًا مختلفة حسبما كان هناك خيرات أبدية تُرجَى أو لم يكن. فالذين يمكن تسميتهم عقلاء طائفتان: طائفة يعبدون الله بكل قلبهم لأنهم يعرفونه، وطائفة يطلبونه من كل قلبهم لأنهم لا يعرفونه" "خاطرة ١٩٤ ". فإعراض الكافر عن التفكير في شقائه وحقارته لن يغير شيئا من حاله، فإن الإنسان مائت حتمًا. فإذا لفتنا نظره إلى الموت فإنما نلفت نظره إلى نفسه وإلى منفعته الكبرى. هذا ما ينبغي أن يفهمه قبل كل شيء، وهذا ما ينبغي أن نعاونه على فهمه لنوجهه من باطن نحو الدين. فيبدو له الدين حقًّا؛ لأن الدين يعرف شقاءه، ويبدو له مستحبًّا؛ لأنه يعده بالعلاج. فلنذكر الملحد بالموت وبالأبدية ماذا لديه من القول عنهما؟ هل يقول: إنه لا يبالي؟ أليس منتهى الحماقة، ونحن نعنى أكبر العناية بصغائر الأمور، ألا نثير المسألة الكبرى التي يتوقف عليها النعيم الأبدي أو الشقاء الأبدي؟

ج- هل يقول: إن العقل يثبت أن الدين غير مفهوم؟ فليكن, ولكن كيف نستنتج من هذا أن الدين ليس حقًّا؟ لنفرض الغموض متساويًا من جهة إثبات الدين ومن جهة نفيه، يبقى أن الاختيار بينهما واجب. ولنلاحظ أن عدم الاختيار هو في الحقيقة اختيار ضمني للنفي، من حيث إننا حينئذ نحيا كما لو لم يكن الله موجودًا ولم تكن النفس خالدة. وهو اختيار الجهة الأشد خطرًا، من حيث إنه استهداف للعذاب الأبدي. أما إذا راهنا على حقيقة الدين فإننا نلتزم بحدوده وتكاليفه، ونفقد الحق في العيش على ما نشتهي، ولكنا نربح حظ الحصول على النعيم الأبدي، فنضحي بالخيرات المتناهية في سبيل الخير اللامتناهي. وحتى لو افترضنا أن الحظ ضئيل جدا في جانب وجود الله، فإن الحظ في جانب صدق القول المعارض لا يمكن أن يكون إلا متناهيا. فالنتيجة واضحة: "حيثما يكن اللامتناهي ولا يكون هناك حظوظ لامتناهية للخسارة في مقابل حظ الربح، فليس من سبيل للتردد: يجب بذل كل شيء" " ٢٣٣ ". وحتى لو قدرنا خيبة الأمل في الحياة الآجلة، فليس لنا أن نأسف على شيء -وهذا ما يعطي حجة الرهان قوتها الظافرة- فإن المسيحي أحسن حالًا من الكافر وأسعد في هذه الحياة العاجلة. إنه أمين صالح متواضع عارف للجميل محسن صديق وفي. فإذا رجعنا

<<  <   >  >>