للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّذَيْنِ عَلَى حَدِّ الْحَرَمِ فَلَيْسَتْ عُرَنَةُ مِنْ عَرَفَةَ، وَلَا مِنْ الْحَرَمِ عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَلَمَّا كَانَ بَطْنُ عُرَنَةَ قَدْ يُفَسَّرُ بِالْوَادِي كَمَا مَرَّ، وَقَدْ يُفَسَّرُ بِالْمَسْجِدِ كَمَا فَسَّرَهُ فِي الْجَلَّابِ، وَلَيْسَ الْحُكْمُ فِيهِمَا، سَوَاءٌ أَشَارَ إلَى مُغَايَرَةِ حُكْمِهِمَا بِقَوْلِهِ: (ص) وَأَجْزَأَ بِمَسْجِدِهَا يُكْرَهُ (ش) أَيْ: وَأَجْزَأَ الْوُقُوفُ بِمَسْجِدِ عُرَنَةَ يُكْرَهُ لِلشَّكِّ هَلْ هُوَ مِنْ عَرَفَةَ أَمْ لَا قَالَ فِي مَنْسَكِهِ: وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ مَسْجِدُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُحَمَّدٌ، يُقَالُ: إنَّ حَائِطَ مَسْجِدِ عُرَنَةَ الْقِبْلِيَّ عَلَى حَدِّ بَطْنِهَا وَلَوْ سَقَطَ لَسَقَطَ فِي عُرَنَةَ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى، وَإِنَّمَا كُرِهَ الْوُقُوفُ فِي مَسْجِدِ عُرَنَةَ مَعَ أَنَّهُ فِي الْحِلِّ لِاحْتِمَالِ إدْخَالِ جُزْءٍ مِنْ الْحَرَمِ فِيهِ فَإِنَّ حَائِطَهُ الْقِبْلِيَّ، وَهُوَ الَّذِي جِهَةُ مَكَّةَ إذَا سَقَطَ سَقَطَ فِي عُرَنَةُ بِالنُّونِ وَبِالْفَاءِ تَصْحِيفٌ.

(ص) وَصَلَّى، وَلَوْ فَاتَ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْحَاجَّ إذَا كَانَ مُرَاهِقًا مَكِّيًّا أَوْ آفَاقِيًّا إذَا قَرُبَ مِنْ عَرَفَةَ وَعَلَيْهِ عِشَاءُ لَيْلَتِهِ إنْ ذَهَبَ إلَى عَرَفَةَ لَا يُدْرِكُ مِنْهَا رَكْعَةً قَبْلَ الْفَجْرِ، وَإِنْ تَرَكَ الذَّهَابَ إلَى عَرَفَةَ أَدْرَكَ رَكْعَةً قَبْلَ الْفَجْرِ صَلَّى الرَّكْعَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ لِتَقَعَ الْعِشَاءُ أَدَاءً؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْوَقْتِ تَبَعٌ لِمَا فِيهِ، وَلَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَصَدَّرَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَالْقَرَافِيُّ وَصَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَشَهَرَهُ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ تَقْدِيمَ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ مُرَاعَاةَ ارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ؛ وَلِأَنَّ مَا لَا يُقْضَى إلَّا مِنْ بُعْدٍ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى مَا يُقْضَى بِسُرْعَةٍ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ قَوْلُ الْأَقَلِّ وَجُلُّ أَقْوَالِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ تَقْدِيمُ الْوُقُوفِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَلَوْ فَاتَتْ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْحَاضِرَةِ، وَأَمَّا الْفَائِتَةُ فَيُقَدَّمُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا.

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْأَرْكَانِ شَرَعَ فِيمَا يُسَنُّ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَابْتَدَأَ بِسُنَنٍ أَوَّلُهَا، وَهُوَ الْإِحْرَامُ فَقَالَ: (ص) وَالسُّنَّةُ غُسْلٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ السُّنَّةَ لِكُلِّ إحْرَامٍ بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ بِهِمَا أَوْ مُطْلَقٍ وَلَوْ كَإِحْرَامٍ زِيدَ أَرْبَعٌ: أَحَدُهَا غُسْلٌ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَجَعَلَ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ قَوْلَهُ (مُتَّصِلٌ بِالْإِحْرَامِ) كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ فِي اتِّصَالِهِ بِالرَّوَاحِ مِنْ تَتِمَّةِ السُّنَّةِ قَبْلَهُ؛ وَقَيْدًا فِيهَا، فَلَوْ اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَأَحْرَمَ مِنْ عَشِيَّةٍ لَمْ يُجْزِهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَا لَوْ اغْتَسَلَ غُدْوَةً وَأَخَّرَ الْإِحْرَامَ إلَى الظُّهْرِ وَجَعَلَهُ بَعْضَ سُنَّةٍ ثَانِيَةٍ أَيْ: يُسَنُّ الْغُسْلُ وَيُسَنُّ اتِّصَالُهُ فَلَا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا بِفِعْلٍ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْإِحْرَامِ قَالَ: وَجَعْلُهُ قَيْدًا فِي الْغُسْلِ يَصِيرُ السُّنِّيَّةُ مُنَصَّبَةً عَلَى الِاتِّصَالِ فَلَا يُفِيدُ كَلَامُهُ حُكْمَ الْغُسْلِ مِنْ أَصْلِهِ اهـ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا دَمَ) إلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْغُسْلَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا، أَوْ جَهْلًا فَإِنَّهُ يَغْتَسِلُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ.

(ص) وَنُدِبَ بِالْمَدِينَةِ لِلْحُلَيْفِيِّ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَوْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِحْرَامُ مِنْهَا فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ غُسْلَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ يَمْضِي ذَاهِبًا عَلَى الْفَوْرِ لَابِسًا لِثِيَابِهِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْهَا نَزَعَ ثِيَابَهُ وَتَجَرَّدَ مِنْهَا كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(ص) وَلِدُخُولِ غَيْرِ حَائِضٍ مَكَّةَ بِطَوًى وَلِلْوُقُوفِ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُنْدَبُ الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ مُتَّصِلًا بِدُخُولِهَا أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ فَلَوْ اغْتَسَلَ ثُمَّ بَاتَ خَارِجَهَا لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ وَلِمَطْلُوبِيَّةِ اتِّصَالِهِ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا مِنْ الْحَرَمِ (قَوْلُهُ: لِلشَّكِّ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يُنْتِجُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ مَسْجِدُ إبْرَاهِيمَ) قَالَ الْقَرَافِيُّ اُخْتُلِفَ فِي إبْرَاهِيمَ فَقِيلَ: هُوَ الْخَلِيلُ وَقِيلَ: إبْرَاهِيمُ الْخَيَّاطِ.

(قَوْلُهُ: يُقَالُ أَنَّ حَائِطَ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُوجِبُ لِلشَّكِّ (قَوْلُهُ: لَسَقَطَ فِي عُرَنَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالنُّونِ وَهَكَذَا النَّقْلُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْجَوَاهِرِ وَالتَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمْ وَقَوْلُهُ الْقِبْلِيُّ الْمُرَادُ الْقِبْلِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِمَكَّةَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْجِدَ كُلَّهُ مِنْ عَرَفَةَ وَيَنْتَهِي آخِرُهُ لِحَدِّ عَرَفَةَ وَأَوَّلُ عُرَنَةَ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ إلَخْ) هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْحَرَمِ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ

. (قَوْلُهُ وَصَلَّى) الْعِشَاءَ، أَوْ الْمَغْرِبَ إذَا خَشِيَ عَدَمَ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْهَا، أَوْ مِنْ الْأَخِيرَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ لِعَرَفَةَ (قَوْلُهُ: وَصَلَّى) الْعِشَاءَ (وَلَوْ فَاتَ) لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ، سَوَاءٌ قِيلَ بِالتَّرَاخِي، أَوْ قِيلَ بِالْفَوْرِ (قَوْلُهُ: وَجُلُّ أَقْوَالِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ) أَيْ: أَقْوَالُهُ الْمُتَسَاوِيَةُ وَجَمَعَهَا بِاعْتِبَارِ الْقَائِلِينَ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْفَائِتَةُ) إذَا تَذَكَّرَهَا وَوَقْتُهَا وَقْتُ تَذَكُّرِهَا

(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ) اُنْظُرْ وَجْهَ الْمُبَالَغَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ (قَوْلُهُ: مِنْ تَتِمَّةِ السَّنَةِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: شَرْطٌ فِي السَّنَةِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ اغْتَسَلَ غُدْوَةً إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ بِالْعُرْفِ فَمَا يَعُدُّهُ الْعُرْفُ فَصْلًا كَثِيرًا ضُرٌّ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَجَعَلَهُ بَعْضٌ إلَخْ) الصَّوَابُ الْأَوَّلُ دُونَ هَذَا كَمَا قَالَهُ مُحَشِّي تت وَهَذَا الْبَعْضُ هُوَ الْبِسَاطِيُّ قَالَ سَنَدٌ: وَلَوْ اشْتَغَلَ بَعْدَ غُسْلِهِ بِشَدِّ رَحْلِهِ وَإِصْلَاحِ بَعْضِ جِهَازِهِ أَجْزَأَهُ وَيُجْزِئُ عَنْهُ وَعَنْ الْجَنَابَةِ غُسْلٌ وَاحِدٌ كَمَا فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: غُسْلٌ عَدَمُ التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ لَا دَمَ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَلَا دَمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ بَعْضَ السُّنَنِ لَمَّا كَانَ فِيهِ الدَّمُ كَالتَّلْبِيَةِ نَصَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ.

(قَوْلُهُ وَنُدِبَ بِالْمَدِينَةِ) هَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: مُتَّصِلٌ وَكَأَنَّهُ قَالَ وَسُنَّ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ، أَوْ يُنْدَبُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَلَا يُطْلَبُ فِي حَقِّهِ الِاتِّصَالَ، بَلْ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي بَيْتِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْهَا إلَخْ) أَيْ: إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ إلَخْ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَزْعَ الثِّيَابِ وَالتَّجَرُّدَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ

(قَوْلُهُ: وَلِدُخُولِ إلَخْ) وَلَا يَتَدَلَّكُ فِي هَذَيْنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ كَذَا فِي عب وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ يَتَدَلَّكُ إلَّا أَنَّ الدَّلْكَ يَكُونُ خَفِيفًا كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ (قَوْلُهُ: بِطَوًى) بِفَتْحِ الطَّاءِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ) فَإِنْ أَخَّرَهُ وَاغْتَسَلَ بَعْدَ دُخُولِهِ لَمْ يُجْزِهِ (قَوْلُهُ: والْمَطْلُوبِيَّةُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ إيقَاعَهُ بِطَوًى يُفِيدُ اتِّصَالَهُ الَّذِي هُوَ مَطْلُوبٌ مَعَ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>