يقرب سعيه بجوازه أي بقبوله وإن كان زيفا أي رديئا غير خاف أي ظاهرا
ومزللا أي مخط والزلة الخطيئة. وقوله: فتى كان للانصاف والحلم معقلا قيل إن الناظم عنى بالفتى نفسه ومدحها بذلك وقيل: إنه أمر بالترحم على من كانت هذه صفته لأنه ندب إلى الإنصاف بنحو ذلك من قبل حين قال أخائفة يعفو ويغضي تجملا وبقوله فيا طيب الأنفاس أحسن تأولا فكأنه قال وقل رحم الرحمن من كان بهذه الصفة ثم قال: عسى الله يدني سعيه أي سعى وليها المذكور في قوله وليس لها إلا ذنوب وليها فيكون ابتداء ترج منه أو يكون ابتداء داخلا في المقول أي قل هذا وهذا ثم ادع لمن اتصف بتلك الصفة وادع لناظم القصيدة وهو وليها وقوله بجوازه يروى بالزاي المعجمة وهو الكثير ويروى بالراء المهملة فالأول من الجواز والثاني من المجاورة.
فيا خير غفّار ويا خير راحم ... ويا خير مأمول جدّا وتفضّلا
أقل عثرتي وانفع بها وبقصدها ... حنانيك يا الله يا رافع العلا
نادى خير الغافرين وخير الراحمين وخير المأمول جداهم وتفضلهم وهو الله عز وجل أن يقيل عثرته بأن يغفر زلته وأن ينفع بهذه القصيدة ملابسها من ناظمها وقارئها والجدا بالقصر العطية وبالمد الغنى والنفع. والعثرة الزلة والإقالة منها الخلاص من تبعتها وبقصدها يعني قصد الانتفاع بها ثم قال رحمه الله تعالى حنانيك فطلب التحنن من الله تعالى ومعناه تحنن عليّ تحننا بعد تحنن والتحنن من الله الرأفة والرحمة وقطع همزة اسم الله في النداء جائز تفخيما واستعانة على مد حرف النداء مبالغة في الطلب والرغبة ثم كرر النداء بقوله: يا رافع العلا أي يا رافع السموات العلا.
وآخر دعوانا بتوفيق ربنا ... أن الحمد لله الّذي وحده علا
ختم دعاءه بالحمد لله كما قال تعالى إخبارا عن أهل الجنة وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يونس: ١٠]، فالباء في بتوفيق ربنا يجوز أن تتعلق بدعوانا لأنه مصدر كما يقول دعوت بالرحمة والمغفرة ويجوز أن تكون باء السبب أي إنما كان آخر دعوانا أن الحمد لله بسبب توفيق الله ربنا لاتباع هذه السنة التي لأهل الجنة، جعلنا الله منهم آمين:
وبعد صلاة الله ثمّ سلامه ... على سيّد الخلق الرضا متنخّلا
محمّد المختار للمجد كعبة ... صلاة تباري الريح مسكا ومندلا
أي بعد تحميد الله تعالى وذكره فنصلي ونسلم على سيد خلقه الرضي أي المرتضى ومتنخلا أي منتخبا ثم بينه فقال محمد المختار أي المصطفى للمجد أي للشرف كعبة واللام في للمجد يجوز أن تكون للتعليل أي اختير كعبة يؤم ويقصد من أجل المجد الحاصل له أو للدين ويجوز أن يكون من تتمة قوله كعبة أي كعبة للمجد أي لا مجد أشرف من مجده كما أن كعبة مكة شرفها الله تعالى أشرف ما فيها أو على أن المجد طائف به كما يطاف بالكعبة
وقوله تباري الريح أي تعارضها وتجري جريها في العموم والكثرة مسكا ومندلا أي ذات مسك وذات مندل والمسك معروف والمندل العود الطيب وهما يستعاران للثناء الحسن واستعارهما للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
وتبدي على أصحابه نفحاتها ... بغير تناه زرنبا وقرنفلا
أي تظهر هذه الصلاة على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم نفحاتها بغير تناه أي