بسم الله الرحمن الرحيم القراء يسمون ما قلّ دوره من حروف القراءات المختلف فيها فرشا لأنها لما كانت مذكورة في أماكنها من السور فهي كالمفروشة بخلاف الأصول لأن الأصل الواحد منها ينطوي على الجميع وسمى بعضهم الفرش فروعا مقابلة للأصول وقوله سورة البقرة أي السورة التي يذكر فيها البقرة:
وما يخدعون الفتح من قبل ساكن ... وبعد ذكا والغير كالحرف أوّلا
أخبر أن المشار إليهم بالذال من ذكا وهم الكوفيون وابن عامر قرءوا وما يخدعون إلا أنفسهم بالفتح قبل الساكن يعني في الياء وبعد الساكن يعني في الدال وأراد
بالساكن الخاء ويلزم من ذلك حذف الألف. وقوله وما أي المصاحبة ليخدعون أتى به للوزن والخلاف في الثاني علم من قوله كالحرف أوّلا وإن شئت قلت التقييد ليخدعون بمصاحبة ما قبله كما نطق به احترازا من الحرف الأول من البقرة والثاني من النساء فإنهما ليس فيهما خلاف للسبعة.
ولما كانت قراءة الباقين لا يمكن أخذها من الضد لأن ضد الفتح في الياء وفي الدال الكسر كما تقدم وضد السكون في الخاء الحركة بالفتح ولم يقرأ بذلك أحد فاحتاج إلى بيان قراءة الباقين فأحالهما على الحرف الأول فقال والغير كالحرف أولا يعني أن غير الكوفيين وابن عامر وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو قرءوا وما يخادعون بضم الياء وفتح الخاء وألف بعدها كالحرف الأول الذي لا خلاف فيه وهو يخادعون الله والذين آمنوا والمراد بالحرف الفعل وسماه حرفا تنبيها على مذهب سيبويه في إطلاق الحرف على كل كلمة، ومعنى ذكا: أضاء من قولهم: ذكت النار: إذا اشتعلت.
أخبر أن المشار إليهم بكوف وهم عاصم وحمزة والكسائي خففوا بما كانوا يكذبون.
والمراد بالتخفيف إسكان الكاف وإذهاب ثقل الذال ثم قال وياؤه بفتح، يعني لهم، أي قرأ عاصم وحمزة والكسائي يكذبون بفتح الياء وتخفيف الذال ويلزم من ذلك سكون الكاف ولما لم يمكن أخذ قراءة الباقين من الضد نص عليها لأن ضد الفتح الكسر فلو كسرت لكانت تختل ولكن نص عليها بقوله: وللباقين ضم أي الياء وثقلا أي الذال فيلزم من ذلك فتح الكاف والباقون هم نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر قرءوا يكذبون بضم الياء وتشديد الذال وفتح الكاف. فإن قلت يكذبون في القرآن في ثلاثة مواضع: هنا وموضع آخر بالتوبة وهو قوله تعالى: أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة: ٧٧]، وبالانشقاق بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ [الانشقاق: ٢٢]، فلم لم يعين هذا دون غيره؟. قلت الكلام في الفرش لا يعم إلا بقرينة ولا قرينة فتعين هذا دون غيره ولأنه لو أراد جميعها لقال بحيث أتى، أو موضعين منها لقال معا ونحوه فالذي بالتوبة لا خلاف بين السبعة في تخفيفه، وعكسه الذي بالانشقاق.
وقيل وغيض ثمّ جيء يشمّها ... لدى كسرها ضمّا رجال لتكمّلا
وحيل بإشمام وسيق كما رسا ... وسيء وسيئت كان راويه أنبلا