للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحن شببه متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمن تركنا في أهلنا فأخبرناه، وكان رقيقاً (١) رحيماً، فقال: ((ارْجِعُوا إلى أهْلِيكُمْ فعَلِّمُوهم ومُرُوهُم، وصَلُّوا كَمَا رأيْتُمونِي أصَلِّي، وإذَا حَضَرتِ الصَّلاة فليؤذِّنْ لَكُمْ أحَدَكُم، ثمَّ ليؤُمَّكُمْ أكبَرُكُم)) (٢).

وانظر إلى شفقته - صلى الله عليه وسلم - لما طلع عليه مصعب بن عمير - رضي الله عنه - - وما كان بمكة أحسن منه ولا أنعم نعمة منه - وما عليه إلا بردة له مرقوعة بفرو، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكى للذي كان فيه من النعمة والذي هو فيه اليوم (٣).

وهذا أنس بن مالك - رضي الله عنه - يروي حاله مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول: خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، فما قال لي أفٍّ (٤) قط، وما قال لشيء صنعته، لِمَ صنعته؟! ولا لشيء تركته: لمَ تركته؟! وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحسن الناس خُلقاً، ولا مسست خزًّا قط (٥) ولا حريراً ولا شيئاً كان ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا شممت مسكاً قط، ولا


(١) رقيقاً: من الرقة. وفي بعض الروايات رفيقاً من الرفق. ابن حجر، فتح الباري (١٠/ ٤٣٨).
(٢) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم (٤/ ٩٣) حديث (٦٠٠٨).
(٣) انظر: ابن الأثير، أسد الغابة (٤/ ٣٧٠).
(٤) كلمة تقال من كرب أو ضجر. الفيروزآبادي، القاموس المحيط (٣/ ١١٧)، مادة (أف).
(٥) الخز: ثياب تعمل من صوف وإبريسم. والإبريسم هو الحرير. ابن منظور، لسان العرب (٥/ ٣٤٥) مادة (خزز).

<<  <   >  >>