ويزيد قدره، ويزكو عمله، ويخلص ذهبه، وكان من أجلِّهم في هذا المقام، الخليل - عليه السلام -.
فأتمّ ما ابتلاه اللَّه به، وأكمله ووفَّاه، فشكر اللَّه له ذلك، ولم يزل اللَّه شكوراً، فقال:(إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) أي: يقتدون بك في الهدى، ويمشون خلفك إلى سعادتهم الأبدية، ويحصل لك الثناء الدائم، والأجر الجزيل، والتعظيم من كل أحد.
وهذه - لعمر اللَّه - أفضل درجة، تنافس فيها المتنافسون، وأعلى مقام، شمّر إليه العاملون، وأكمل حالة حصّلها أولو العزم من المرسلين وأتباعهم، من كلِّ صدّيق متَّبِعٍ لهم، داعٍ إلى اللَّه وإلى سبيله.
فلما اغتبط إبراهيم بهذا المقام، وأدرك هذا، طلب ذلك لذرّيته (قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)؛ لتعلو درجته ودرجة ذريّته، وهذا أيضاً من إمامته، ونصحه لعباد اللَّه، ومحبّته أن يكثر فيهم المرشدون، فلله عظمة هذه الهمم العالية، والمقامات السامية.
فأجابه الرحيم اللطيف، وأخبر بالمانع من نيل هذا المقام، فقال:(لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أي: لا ينال الإمامة في الدين، من ظلم نفسه وضرّها، وحطّ قدرها، لمنافاة الظلم لهذا المقام، فإنه مقام آلته الصبر واليقين، ونتيجته أن يكون صاحبه على جانب عظيم من الإيمان، والأعمال الصالحة، والأخلاق الجميلة، والشمائل السديدة، والمحبّة التامّة، والخشية والإنابة، فأين الظلم وهذا المقام؟