للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتحمّلين للمشاقّ (١) في هذه الدار من أجله وفي مرضاته بأفضل كرامته، ويبيّن (٢) لخلقه الذي يختلفون فيه، ويُعلِمُ (٣) الذين كفروا أنّهم كانوا كاذبين.

وكذلك لم يقدُرْه حق قدره من هان عليه أمرُه فعصاه، ونهيُه فارتكبه، وحقُّه فضيّعه، وذكرُه فأهمله وغفل قلبه عنه، وكان هواه آثرَ عنده من طلب رضاه، وطاعة المخلوق أهمّ عنده من طاعته. فلله الفَضْلةُ من قلبه وقوله وعمله، وسواه المقدَّم في ذلك؛ لأنّه المهمّ عنده. يستخِفّ بنظر الله إليه واطلاعه عليه، وهو في قبضته، وناصيتُه بيده. ويُعظِّم نظرَ المخلوق إليه واطّلاعَه عليه بكلّ قلبه وجوارحه (٤). ويستحيي من الناس، ولا يستحيي من الله. ويخشى الناس، ولا يخشى الله. ويعامل الخلقَ بأفضلِ ما يقدر عليه، وإن عاملَ اللهَ عاملَه بأهونِ ما عنده وأحقرِه، وإن قام في خدمة إلهه من البشر قام بالجدّ والاجتهاد وبذلِ النصيحة (٥)، وقد فرغّ له قلبه وجوارحه، وقدّمه عَلى كثير من مصالحه، حتى إذا قام في حقّ ربّه -إن ساعد القدرُ- قام قيامًا لا يرضى مثلَه مخلوق من مخلوق، وبذل له من ماله ما يستحيي أن يواجه به مخلوق لمثله! فهل قدر اللهَ حقَّ قدره من هذا وصفُه؟ وهل قدره حقَّ قدره مَن شارك بينه وبيّن عدوِّه في محض


(١) ل: "المشاق".
(٢) ز: "تبين".
(٣) ل: "وليعلم".
(٤) ز: "بكل جوارحه وقلبه".
(٥) ل: "قد بذل له النصيحة".

<<  <  ج: ص:  >  >>