للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويخطئوه، وذلك لا يكون في الأمة.

وحاصله: أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة, وذلك ظاهر في أن الاجتماع على غير سنة خارج عن معنى الجماعة المذكورة في الأحاديث المذكورة، كالخوارج ومن جرى مجراهم١.

وما ننتهي إليه في معنى أهل السنة والجماعة:

أنها الفرقة التي وعدها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنجاة من بين سائر الفرق. ومدار هذا الوصف على اتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وموافقة ما جاء به من الاعتقاد والعبادة والهدي والسلوك، وملازمة جماعة المسلمين، وهو الحق الذي ينبغي التمسك به.

ولذلك قال ابن أبي شامة، رحمه الله: "وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة، فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك بالحق قليلا والمخالف كثيرا؛ لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم"٢.

قال عمرو بن ميمون: قدم علينا معاذ بن جبل على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوقع حبه في قلبي، فلزمته حتى واريته في التراب بالشام، ثم لزمت أفقه الناس بعده: عبد الله بن مسعود، فسمعته يقول: عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ثم ذُكر يوما عنده تأخير الصلاة عن وقتها، فقال: صلوها في بيوتكم فهي الفريضة, واجعلوا صلاتكم معهم نافلة. قال عمرو بن ميمون: فقلت لعبد الله بن مسعود: يا أصحاب محمد، ما أدري ما تحدِّثون! قال: وما ذاك؟ قلت: تأمرني بالجماعة وتحضني عليها، ثم تقول لي: صل الصلاة وحدك وهي الفريضة، وصَلِّ مع الجماعة وهي نافلة؟!

قال: يا عمرو بن ميمون، قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية، تدري ما الجماعة؟ قلت: لا, قال: إن جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة، إنما الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك. وفي رواية: فقال ابن مسعود: ويحك، إن جمهور الناس فارقوا الجماعة، وإن الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى.

قال نعيم بن حماد: يعني: إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وإن كنت وحدك، فإنك أنت الجماعة حينئذ٣.


١ "الاعتصام": ٢/ ٢٦٠-٢٦٥ باختصار يسير. وانظر: "فتح الباري": ١٣/ ٣٧.
٢ انظر: "الباعث على إنكار البدع والحوادث" ص١٩.
٣ أخرجه بنحوه: اللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد": ١/ ١٠٨، ١٠٩، وبهذا اللفظ نقله ابن أبي شامة من رواية البيهقي في "كتاب المدخل"، ولم أجده في القسم المطبوع منه.
انظر: "الباعث" لابن أبي شامة ص١٩، ٢٠، "مجموع فتاوى شيخ الإسلام": ١٣/ ١٧٩.

<<  <   >  >>