وليس من مذهب السلف -وإن ادعاه قوم- أن يطلق إنسان لسانه بالطعن والشتم على الأئمة المتقدمين، ولا سيما الأئمة الأربعة، ويحط من قدرهم بنسبته إياهم إلى الجهل أو الخطأ أو تعمد التغيير في الأحكام، ويستدل على مدعاه بآية يأخذها على ظاهرها دون أن يفقه معناها، أو يستدل بحديث لا يدري قول الأئمة فيه، ويدعو الناس والعوام إلى الأخذ من القرآن أو الحديث من غير اتباع لقول أحد من الأئمة، ويقول: هذا كتاب الله وسنة رسول الله بين أيدينا، فأي حاجة بنا إلى تقليد فلان أو فلان، وهم رجال ونحن رجال!
وهذا القول ليس بحق، أو هو حق أريد به باطل، بل هو محض باطل أراد به صاحبه تشكيك الناس أو الوصول إلى الشهرة بينهم، إذ ليس بوسع كل أحد أن يأخذ أي حكم يريده من القرآن أو السنة إلا بمراجعة ما ورد عن الأئمة في ذلك الحكم، فهم أقرب عهدا بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأكثر علما وإحاطة بما جاء عنه، وفي الآيات والأحاديث ما هو منسوخ، وما هو مقيَّد وما هو محمول على غيره، كما هو مذكور في علم الأصول.
وليس من مذهب السلف أيضا: تأويل القرآن الكريم بالرأي الفاسد, دون النظر إلى ما ورد عن أئمة اللغة وما فسر به الصحابة وما ورد في الموضوع من آيات وأحاديث، وإلا فإنه يأخذ بعض الآيات والأحاديث، يضرب بعضها ببعض، أو يأخذ بعض الأدلة ويترك سائرها أو يترك المحكم من النصوص في القرآن والسنة، فيأخذ ما يتفق وعقله من المتشابه ويترك ما لا يتفق معه، أو ما لا يعرف وجهه ومعناه، أو يحمل نصوص الشرع على وفق هواه ومذهبه الذي ينتحله باطلا١.
وهذا كله يشير إلى ما يقابل مذهب السلف، وهو مذهب الخَلَف، وهم المخالفون للسلف من علماء الكلام والمتفلسفة، الذين تركوا الكتاب والسنة في الاستدلال على العقيدة ومسائلها؛ ليتبعوا منهجا عقليا يعارضون به المنهج الشرعي، ويؤولون النصوص الشرعية التي يظنونها مخالفة للعقل حسب فهمهم لها.
١ انظر في هذه المعاني السابقة: "نموذج من الأعمال الخيرية" ص١٢-١٧، "الوصية الكبرى" لابن تيمية ص٦٣، ٦٤، "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم": ١٣-١٦٢، ١٦٣، "الاعتصام": ١/ ٢٢٠، وما بعدها.