للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما اعتاد الناس أن يجدوها في كثير من البحوث الإسلامية ... "١.

ولا أدل على صحة هذا القول من واقع أولئك الذين حاولوا أن يتلمسوا الأدلة العقلية على صحة الاعتقاد، فأطلقوا العنان لعقولهم في البحث والتفكير، بمعزل عن الوحي، متأثرين في ذلك بمنطق اليونان وفلسفتهم، ولكنهم عادوا بالخيبة والخسران، بعد أن بدّدوا جهدهم، وأضاعوا في البحث عمرهم، ثم وقفوا حائرين، لا يجدون دلالة إلا في كتاب الله الكريم، وفي سنة نبيه العظيم صلى الله عليه وسلم.

فهذا إمام الحرمين الجويني "ت ٤٧٨هـ" وهو الأصولي الجدلي النظّار، يقول:

"قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا، ثم خلَّيت أهل الإسلام بإسلامهم فيها، وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخِضَمّ، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه؛ كل ذلك في طلب الحق. وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد, والآن قد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق. عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطف بره -فأموت على دين العجائز، وتختم عاقبة أمري عند الرحيل على نزهة أهل الحق وكلمة الإخلاص: لا إله إلا الله- فالويل لابن الجويني"٢.

وأما حجة الإسلام، أبو حامد الغزالي "ت ٥٠٥هـ" الذي ابتدأ البحث في


١ "مقومات التصور الإسلامي"، ص٨٦ بتصرف يسير.
٢ انظر: "طبقات الشافعية الكبرى"، لابن السبكي: ٥/ ١٨٥، "سير أعلام النبلاء" للذهبي: ١٨/ ٤٧١.
ومعنى قوله: "ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم ... " أنه أنزل المذاهب كلها في منزلة النظر والاعتبار، غير متعصب لواحد منها، بحيث لا يكون عنده ميل يقوده إلى مذهب معين من غير برهان، ثم توضَّح له الحق، وأنه الإسلام، فكان على هذه الملة عن اجتهاد وبصيرة لا عن تقليد.
راجع: "الطبقات الكبرى" للسبكي: ٥/ ١٨٦.

<<  <   >  >>