للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢١، ٢٢] .

فالله سبحانه وتعالى يستحق العبادة وحده؛ لأنه هو الخالق وحده، وبذلك يتم الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية.

وأما توحيد الألوهية، فهو متضمن لتوحيد الربوبية، فإن من عبد الله وحده ولم يشرك به شيئا، لا بد أن يكون قد اعتقد أنه هو ربه ومالكه الذي لا رب له غيره، ولا مالك له سواه. يقول شيخ الإسلام رحمه الله:

"وإن كانت الإلهية تتضمن الربوبية، والربوبية تستلزم الإلهية، فإن أحدهما إذا تضمن الآخر عند الانفراد لم يمنع أن يختص بمعناه عند الاقتران، كما في قوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ} ... فجمع بين الاسمين: اسم الإله, واسم الرب"١.

وأما توحيد الأسماء والصفات؛ فإنه شامل للنوعين السابقين، فهو يقوم على إفراده سبحانه بكل ما له من الأسماء الحسنى والصفات العليا التي لا تنبغي إلا له، ومن جملتها كونه ربا واحدا لا شريك له في ربوبيته، وكونه إلها واحدا لا شريك له في إلهيته. فاسم الرب لا ينصرف عند الإطلاق إلا إليه، وكذلك اسم الجلالة "الله" لا يطلق إلا عليه وحده، فهو صاحب الربوبية المطلقة الشاملة وصاحب الإلهية على جميع خلقه.

وبالجملة: فهذه الأنواع الثلاثة من التوحيد متكاملة متلازمة، يكمل بعضها بعضا، ولا ينفع أحدها بدون الآخريْنِ؛ ولذا فمن أتى بنوع واحد منها ولم يأت بالآخر، فإنه لم يأت به على الوجه المطلوب، وعندئذ لا ينتج أثره المطلوب٢.


١ "مجموع الفتاوى": ١٠/ ٢٨٤.
٢ "تيسير العزيز الحميد" ص٣٣، "دعوة التوحيد"، د. محمد خليل الهراس، ص٨٣-٨٦.

<<  <   >  >>