للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا النوع من الكفر يسميه بعض العلماء: الكفر العملي، الذي يقابل الكفر الاعتقادي، وهو أيضا: كفر النعمة، فهو كفر مقيَّد بأحدهما وليس كفرا مطلقا.

"وقد سمى الله تعالى من عمل ببعض كتابه وترك العمل ببعضه, مؤمنا بما عمل وكافرا بما ترك العمل به، فقال تعالى:

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ، ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: ٨٤، ٨٥] .

فأخبر -سبحانه- أنهم أقرّوا بميثاقه الذي أمرهم به، والتزموه. وهذا يدل على تصديقهم به ... ثم أخبر أنهم عصوا أمره، وقتل فريق منهم فريقا وأخرجوهم من ديارهم، فهذا كفرهم بما أخذ عليهم في الكتاب.

ثم أخبر أنهم يفدون من أُسر من ذلك الفريق، وهذا إيمان منهم بما أخذ عليهم في الكتاب, فكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق، كافرين بما تركوه منه.

فالإيمان العملي يضاده الكفر العملي، والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي.

وأعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا في قوله: "سباب المسلم فسوق, وقتاله كفر" ١.

ففرّق بين قتاله وسبابه, وجعل أحدهما فسوقا لا يكفر به، والآخر كفرا،


١ أخرجه البخاري في الإيمان: ١/ ١١٠، ومسلم: ١/ ٨١.

<<  <   >  >>