للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم اختلف الناس في أشياء اتخذها قوم من بعدهم تكأة؛ إما للطعن في بعض الصحابة، وإما جعلوها أساسا لنِحْلَتهم، أو استدلوا بها في مسألة من مسائلهم التي اتخذوها شعارا لهم، ثم تعمق الخلاف وأدى إلى نشوء جماعات متفرقة.

يقول الإمام أبو الحسن الأشعري، رحمه الله: "اختلف الناس بعد نبيهم -صلى الله عليه وسلم- في أشياء كثيرة، ضلّل بعضهم بعضا، وبرئ بعضهم من بعض، فصاروا فرقا متباينين، وأحزابا متشتتين، إلا أن الإسلام يجمعهم ويشتمل عليهم. وأول ما حدث من الاختلاف بين المسلمين بعد نبيهم -صلى الله عليه وسلم- اختلافهم في الإمامة ... وهذا اختلاف بين الناس إلى اليوم١.

وبعد هذا الاختلاف قامت كل فرقة تجادل عن رأيها وتؤيده بالأدلة، وتدفع رأي الآخرين وترد عليه، فوضعت في ذلك كتب ومؤلفات، فكان ذلك من عوامل نشأة الكتابة والتدوين في هذا الجانب.

٣- ونضيف هنا عاملا ثالثا هو: ما نجم وظهر من البدع والانحرافات عن العقيدة الصافية التي كان عليها الصحابة -رضوان الله عليهم- بعد سنوات من خلافة علي رضي الله عنه٢.


١ "مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين" للإمام أبي الحسن الأشعري ص٣٤.
٢ بل قد يقع شيء من الانحراف عن الإسلام والعقيدة حتى في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكنه بذاته لا يشكل فرقة أو مذهبا، إنما يشكل بذرة لمذهب أو أصلا، كما يشير إليه حديث أبي سعيد الخدري فيما أخرجه البخاري "٦/ ٦١٨" ومسلم: "٢/ ٧٤٠١"؛ قال: بينما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقسم قسما، إذ أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم فقال: يا رسول الله, اعدل. فقال: "ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟! فقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل".
فقال عمر: يا رسول الله, ائذن لي فيه فأضرب عنقه فقال: "دعه؛ فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّمِيَّة ... ".

<<  <   >  >>