وأنه حي، وأن فيه الجزء الإلهي، وأنه هو الذي يجيء في السحاب، وأن الرعد صوته والبرق سوطه، وأنه لا بد أن ينزل إلى الأرض فيملأها عدلا كما ملئت جورا.
ومن ابن سبأ هذا تشعبت أصناف الغلاة من الرافضة، وصاروا يقولون بالوقف، يعنون أن الإمامة موقوفة على أناس معينين، كقول الإمامية بأنها في الأئمة الاثني عشر، وقول الإسماعيلية بأنها في ولد إسماعيل بن جعفر الصادق.
وعنه أيضا أخذوا القول بأن الجزء الإلهي يَحُلّ في الأئمة بعد علي بن أبي طالب، وأنهم بذلك استحقوا الإمامة بطريق الوجوب كما استحق آدم -عليه السلام- سجود الملائكة. وعلى هذا الرأي كان اعتقاد الخلفاء الفاطميين ببلاد مصر١.
وابن سبأ هذا هو الذي أثار الفتنة على أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- حتى قُتل، وكان له عدة أتباع في عامة الأمصار "أي: أصحاب كثيرون في معظم الأقطار" فكثرت لذلك الشيعة وصاروا ضدا للخوارج، وما زال أمرهم يقوى وعددهم يكثر.
ثم حدث بعد عصر الصحابة -رضي الله عنهم- مذهب جهم بن صفوان "توفي ١٢٨هـ"، بالمشرق، فعظمت الفتنة به، فإنه نفى أن يكون لله تعالى صفة، وأورد على أهل الإسلام شكوكا أثرت في الملة الإسلامية آثارا قبيحة، تولد عنها بلاء كبير، وكان قبيل المائة من سِنِي الهجرة، فكثر أتباعه على أقواله التي تئول إلى التعطيل، فأنكر أهل الإسلام بدعته، وتعاونوا على إنكارها وتضليل أهلها، وحذروا
١ يميل القارئ إلى صحة نسب الفاطميين، وإلى ذلك يذهب ابن خلدون وابن الأثير، ولكن أدلة كثيرة تُثبت أنهم عبيديون من أصول مجوسية ولا يصح نسبهم لفاطمة -رضي الله عنها- وإلى هذا ذهب عدد كبير من المؤرخين الثقات؛ كالحافظ ابن حجر والذهبي وابن حزم والسيوطي وابن خلكان. انظر: "تاريخ الخلفاء" للسيوطي "٥٢٤، ٥٢٥", و"جاء دور المجوس" ص٧٥، و"قضية نسب الفاطميين"، و"الحاكم بأمر الله".