للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما تجدر الإشارة إليه هنا: أن السنة تقتضي المواظبة، وهي أعم من الحديث؛ لأنها تتناول الفعل والقول والتقرير، والحديث لا يتناول إلا القول، فكان هذا فارق ما بينهما١.

ومن هذه الإطلاقات لكلمة "السنة" يظهر أنها تطلق بمعنى شرعي عام يشمل ما كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه الراشدون، من الاعتقادات والأعمال والأقوال, وهذه هي السنة الكاملة. ولهذا كان السلف قديما لا يطلقون السنة إلا على ما يشمل ذلك كله٢.

السنة بمعنى الاعتقاد:

ثم إن كثيرا من العلماء المتأخرين يخص اسم السنة بما يتعلق بالاعتقاد فحسب؛


١ انظر: "الكليات" ٣/ ١٠، "تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها" للسيد سليمان الندوي ص٢٠-٢٢، "بصائر ذوي التمييز" للفيروزآبادي: ٣/ ٢٦٧.
٢ ومما ينبغي التنبه إليه ههنا أمران اثنان:
أولهما: أن بعض الناس يقصرون التأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- على جانب واحد، وهو الجانب المظهري، ويغفلون سائر الجوانب الأخرى، فيقولون: "فلان سنيّ"؛ لأنه أطلق لحيته مثلا أو قصّر ثوبه -مع أننا لا نقلل من أهمية هذا الجانب أبدا، فإن هناك ارتباطا بين المظهر أو الشكل والمضمون- وينسون الجوانب الأخرى، وهي على غاية من الأهمية كالعقيدة السليمة والعلم الشرعي والأخلاق والسلوك ... إلخ.
ثانيهما: أن بعضهم قد يتساهل بالمشروعات مما هو في مرتبة السنة -بالمعنى الفقهي- بحجة أنها سنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها. هكذا بإطلاق، مع أن العلماء قد نصوا -بناء على الأحاديث الكثيرة التي تحض على المتابعة والتمسك بالسنة- على أن من يعتاد على ترك السنة يعاقب، وأنه مسيء وآثم، وكان الصحابة يحرصون عليها حرصهم على الفرائض، وقد نقل اللكنوي -رحمه الله- نصوصا كثيرة في هذا في كتابه "تحفة الأخيار" ص٨٧-٩٢.
وأما تفرقة الفقهاء بين الفرض والسنة، فإنما هي في آحادها لا في تركها جملة.
انظر: "كشاف اصطلاحات الفنون": ٤/ ٥٤، "المختار من كنوز السنة" ص٣٣٢.

<<  <   >  >>