نفسها. فإن في ضرام ذلك البلاء الهائج في نفوس الرجال، ما قد يتغلب على كل استقامة أو عفة تتمتع بها المرأة إذ تعرض من فنون إثارتها وفتنتها أمامهم.
٢ - ويقولون لك: إنه إذا شاع الاختلاط بين الرجل والمرأة، تهذبت طباع كل منهما، وقامت بينهما بسبب ذلك صداقات بريئة لا تتجه إلى جنس ولا تنحرف نحو سوء! أما إذا ضرب بينهما بسور من الاحتجاب، فإن نوازع الجنس تلتهب بينهما وتغري كلا منهما بصاحبه فيشيع من ذلك الكبت في النفوس والسوء في الطباع.
وأقول لك: صحيح، إن مظاهر الإغراء قد تفقد بعض تأثيراتها بسبب طول الاعتياد وكثرة الشيوع. ولكنها إنما تفقد ذلك عند أولئك الذين خاضوا غمارها وجنوا من ثمارها، خلال مرحلة طويلة من الزمن، فعادوا بعد ذلك وهم لا يحفلون بها. وبدهي أن ذلك ليس لأنهم قد تساموا فوقها، ولكن لأنهم قد بشموا بها ولأنهم يشبعون (١) كل يوم منها.
إن رؤية المناظر والمواقف الجنسية في بلدة كالسويد مثلاً، تعتبر أمرًا عاديًّا لا يثير استغرابًا ولا استهجانًا بالنسبة لأولئك الذين نشئوا أو عاشوا في تلك الأجواء، فهل يعني ذلك أنهم قد تجاوزوا طبيعة التأثير بدواعي الانحراف وأسبابه، فهم لا ينحطون إليها ولا يتأثرون بها؟! .. أي مجنون من الناس يقول هذا؟!.
كلنا يعلم أن هذا الذي يمر بالمشاهد الجنسية المكشوفة هناك، غير عابئ بها، ولا ملتفت إليها، قد نجده بعد ساعة يمارس العملية نفسها في مكان آخر. وهكذا فإن عدم الاكتراث والتأثير بمظاهر الإغراء، إنما هو نتيجة انتشار اللذة رخيصة في كل مكان، وليس نتيجة فهم معين أو جديد لما قد تبصره عيناه. والذي يتصور تحقق الزهد في الجنس، دون أن يكون نتيجة لانتشاره وإباحته، إنما هو كمن يتصور إمكان زهد الجائع في الطعام بمجرد أن تتناثر أطباقه الشهية أمام عينيه في واجهات المحلات عن يمين الشارع ويساره.
وإنما (الصداقة) كلمة يطلقها هؤلاء الناس على تلك الفترات التي يلتقط فيها الأصدقاء أنفاسهم بعد انجراف طويل في أدغال الحيوانية والإباحية المطلقة.
وإنها لحقيقة ثابتة يعرفها (الأصدقاء) قبل أن يعرفها الآخرون! ..
والكبت .. أيهما يورث الكبت؟
أن يخرج الشاب إلى شأنه من وظيفة أو عمل أو دراسة، فلا تقع عينه على ما يثير شيئًا
(١) أقول: لأنهم - عافانا اللَّه وإياكم - يملون منها، اللهم لا تشبع فروج المسلمين إلا من حلال. (قل).