للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-الذين كفروا، والذين آمنوا- كمن لم يزين له سوء عمله؟ ثم كأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما قيل له ذلك قال: لا، فقيل: {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: ٨] . وقيل: المعنى: أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليهم حسرات؟ فحذف الجواب١ لدلالة: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} أو "المعنى": أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله؟ فحذف لدلالة: {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} .

وأما قوله تعالى: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: ١٨] , وقوله تعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا} [النور: ١] , وقوله: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} [النور: ٥٣] فكل منها يحتمل الأمرين: حذف المسند إليه، وحذف المسند؛ أي: فأمري صبر جميل، أو: فصبر جميل أجمل٢، و: هذه سورة أنزلناها، أو: فيما أوحينا إليك سورة أنزلناها، و: أمركم أو الذي يطلب منكم طاعة معروفة معلومة لا يشك فيها ولا يرتاب، كطاعة الخلص من المؤمنين الذين طابق باطن أمرهم ظاهره، لا أيمان تقسمون بها بأفواهكم وقلوبكم على خلافها، أو: طاعتكم طاعة معروفة، أي: بأنها بالقول دون الفعل، أو: طاعة معروفة أمثل وأولى بكم من هذه الأيمان الكاذبة.

ومما يحتمل الوجهين قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ} [النساء: ١٧١] قيل: التقدير: ولا تقولوا: آلهتنا ثلاثة، ورد بأنه تقرير لثبوت "آلهة"؛ لأن النفي إنما يكون للمعنى المستفاد من الخبر دون معنى المبتدأ, كما تقول: "ليس أمراؤنا ثلاثة" فإنك


١ على هذا تكون "مَنْ" شرطية.
٢ أي: من الصبر الذي ليس بجميل بأن يكون معه شكاية، ولكنه مع هذا خير من عدمه، فيصح تفضيل الصبر الجميل عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>