للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنفي به أن تكون عدة الأمراء ثلاثة، دون أن تكون لكم أمراء، وذلك١ إشراك، مع أن قوله تعالى بعده: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} يناقضه.

والوجه: أن {ثَلَاثَةٌ} صفة مبتدأ محذوف، أو مبتدأ محذوف مميزه، لا خبر مبتدأ، والتقدير: "ولا تقولوا لنا -أو في الوجود- آلهة ثلاثة أو ثلاثة آلهة"٢ ثم حُذف الخبر كما حُذف من "لا إله إلا الله"، و"ما من إله إلا الله", ثم حذف الموصوف أو المميز كما يحذفان في غير هذا الموضع؛ فيكون النهي عن إثبات الوجود لآلهة، وهذا ليس فيه تقرير لثبوت إلهين، مع أن ما بعده أعني قوله: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ينفي ذلك، فيحصل النهي عن الإشراك والتوحيد من غير تناقض؛ ولهذا يصح أن يتبع نفي الاثنين فيقال: "ولا تقولوا لنا آلهة ثلاثة ولا إلهان"؛ لأنه كقولنا: "ليس لنا آلهة ثلاثة ولا إلهان" وهذا صحيح، ولا يصلح أن يقال على التقدير الأول: "ولا تقولوا: آلهتنا ثلاثة، ولا اثنان"؛ لأنه كقولنا: "ليست آلهتنا ثلاثة ولا اثنين" وهذا فاسد، ويجوز أن يقدر: "ولا تقولوا: الله والمسيح وأمه ثلاثة٣؛ أي: لا تعبدوهما كما تعبدونه"؛ لقوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: ٧٣] فيكون المعنى "ثلاثة مستوون في الصفة والرتبة"؛ فإنه قد استقر في العرف أنه إذا أريد إلحاق اثنين بواحد في وصف وأنهما شبيهان له أن يقال: "هم ثلاثة"، كما يقال إذا أريد إلحاق واحد بآخر وجعله في معناه: هما اثنان.

واعلم أن الحذف لا بد له من قرينة؛ كوقوع الكلام جوابا عن سؤال: إما


١ أي: تقرير ثبوت "آلهة".
٢ التقدير الأول على أنها صفة مبتدأ، والثاني على أنها مبتدأ محذوف مميزه.
٣ فيكون من حذف المسند إليه، والمعنى صحيح بخلاف التقدير الذي أبطله، وقد أُجيب عنه بأن السالبة تحتمل نفي موضوعها كما تحتمل نفي محمولها وحده، فيكون المعنى عليه محتملا لنفي الثلاثة والاثنين أيضا، ولكن الحمل على هذا نادر.

<<  <  ج: ص:  >  >>