للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما "إن وإذا" فهما للشرط في الاستقبال١، لكنهما يفترقان في شيء: وهو أن الأصل في "إن" ألا يكون الشرط فيها مقطوعا بوقوعه٢؛ كما تقول لصاحبك: "إن تكرمني أكرمك" وأنت لا تقطع بأنه يكرمك.

والأصل في "إذا" أن يكون الشرط فيها مقطوعا بوقوعه٣ كما تقول: إذا زالت الشمس آتيك. ولذلك كان الحكم النادر موقعا لـ "إن"؛ لأن النادر غير مقطوع به في غالب الأمر، وغلب لفظ الماضي مع "إذا" لكونه أقرب إلى القطع بالوقوع نظرا إلى اللفظ٤؛ قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} [الأعراف: ١٣١] أتى٥ في جانب الحسنة بلفظ "إذا"؛ لأن المراد بالحسنة الحسنة المطلقة التي حصولها مقطوع به؛ ولذلك عرفت تعريف الجنس٦.

وجوز السكاكي٧ أن يكون تعريفها للعهد، وقال: "وهذا أقصى لحق البلاغة"،


١ أي: لتعليق حصول الجزاء بحصول الشرط في الاستقبال.
٢ بأن يُتردد في وقوعه، أو يُظن عدم وقوعه، أما القطع بعدم وقوعه لاستحالته فلا تُستعمل فيه "إن" إلا لنكتة كما سيأتي في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} [الزخرف: ٨١] . ومثل "إن" في دلالتها على ذلك باقي أدوات الشرط كما ذكره الدسوقي في حاشيته على المختصر.
٣ مثل القطع في ذلك ظن وقوعه، ولا يخفى أن الأداتين تدلان على ذلك بأصل الوضع، ولكن إيثار إحداهما على الأخرى في موضع يصلح لهما قد يكون لاعتبارات دقيقة كما سيأتي في أمثلتهما.
٤ إنما كان هذا بالنظر إلى اللفظ؛ لأن الماضي معها يُنقل إلى الاستقبال.
٥ هذه الاعتبارات تأتي في كلام الله تعالى؛ لأنه وارد على أساليب كلام البشر، وإن لم يتصور فيه جزم ولا عدمه، فيراعى في ذلك، على فرض أنه لمخلوق يجوز عليه الجزم والتردد.
٦ يعني الحقيقة في ضمن فرد مبهم، بدليل إسناد المجيء إليها.
٧ المفتاح ص١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>