للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه نظر١. وأتى في جانب السيئة بلفظ "إن"؛ لأن السيئة نادرة بالنسبة إلى الحسنة المطلقة؛ ولذلك نكرت٢.

ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: ٣٦] أتى بـ "إذا" في جانب الرحمة، وأما تنكيرها فجعله السكاكي٣ للنوعية نظرا إلى لفظ الإذاقة, وجعله للتقليل نظرا إلى لفظ الإذاقة -كما قال- أقرب٤. وأما قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ} [الروم: ٣٣] بلفظ "إذا" مع الضر فللنظر إلى لفظ "المس", وإلى تنكير "الضر" المفيد في المقام التوبيخي القصد إلى اليسير من الضر، وإلى الناس المستحقين أن يلحقهم كل ضر، وللتنبيه على أن مساس قدر يسير من الضر لأمثال هؤلاء حقه أن يكون في حكم المقطوع به، وأما قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} [فصلت: ٥١] بعد قوله عز وجل: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} أي: أعرض عن شكر الله وذهب بنفسه وتكبر وتعظم؛ فالذي تقتضيه البلاغة أن يكون الضمير في "مسه" للمعرض المتكبر، ويكون لفظ "إذا" للتنبيه على أن مثله يحق أن يكون ابتلاؤه بالشر مقطوعا به.


١ وجهه أنه ذكر أن المراد الحسنة المطلقة، والإطلاق ينافي العهد، وأجيب عنه بأنه يريد العهد على مذهبه من تنزيل الحقيقة منزلة المعهود لاعتبار من الاعتبارات، والذي ينافي الإطلاق العهد الحقيقي الذي يراد فيه فرد معين، وإنما كان ذلك أقضى لحق البلاغة؛ لأن المعهود أقرب إلى التحقق من الجنس الذي لا عهد فيه، ولكن هذا لا يخلو من تكلف.
٢ لأن التنكير في أصله يفيد التقليل؛ لدلالته على الوحدة، بخلاف "ال" الجنسية.
٣ المفتاح ص١٣٦.
٤ لأن الإذاقة أثرها أضعف من غيرها، وقد اعتُرض على هذا بأنه ينافي ما ذكره في الآية السابقة من أن إطلاق الحسنة المفيد للتكثير هو الذي يناسب "إذا"؛ فلا يكون التقليل هنا في الرحمة مناسبا لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>