للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الزمخشري: وللجهل بموقع "إن" و"إذا" يزيغ كثير من الخاصة عن الصواب فيغلطون؛ ألا ترى إلى عبد الرحمن بن حسان١ كيف أخطأ بهما الموقع في قوله يخاطب بعض الولاة، وقد سأله حاجة فلم يقضها، ثم شفع له فيها فقضاها "من الطويل":

ذُمِمْت ولم تحمد وأدركت حاجتي ... تولى سواكم أجرها واصطناعها

أبى لك كسب الحمد رأي مقصر ... ونفس أضاق الله بالخير باعها

إذا هي حثته على الخير مرة ... عصاها وإن همت بشر أطاعها

فلو عكس لأصاب٢.

وقد تستعمل "إن" في مقام القطع بوقوع الشرط لنكتة:

كالتجاهل؛ لاستدعاء المقام إياه٣.

وكعدم جزم المخاطب؛ كقولك لمن يُكذّبك٤ فيما تخبر: إن صدقتُ فقل لي ماذا تفعل؟

وكتنزيله منزلة الجاهل٥؛ لعدم جريه على موجب العلم، كما تقول لمن يؤذي أباه: "إن كان أباك فلا تؤذه".

وكالتوبيخ على الشرط، وتصوير أن المقام لاشتماله على ما يقلعه عن أصله لا


١ قيل: إن هذه القصة وما فيها من الشعر لسعيد بن عبد الرحمن بن حسان.
٢ يعني بالعكس أن يقول: "إن هي حثته، وإذا همت" ووجه الصواب فيه أنه هو المناسب لما يقصده من الهجاء، وأجيب عنه بأنه يقصد في "إذا" إثبات حث نفس الوالي له على الخير وأنه مع ذلك يعصيها، وهو أبلغ في الذم، وبأنه يقصد في "إن" أنه يبادر إلى الشر بمجرد توهم نفسه له، وهو أبلغ في الذم أيضا.
٣ كأن يُسأل خادم عن سيده: هل هو في الدار؟ وهو يعلم أنه فيها، فيقول: "إن كان فيها أُخبرك" فيتجاهل خوفا من سيده.
٤ أي: لمن يجوّز كذبك؛ لأن المقام في عدم جزم المخاطَب.
٥ يعني به الشاكّ؛ لأنه هو الأصل في استعمال "إن"، والفرق بين هذا وما قبله أن الشك غير حقيقي هنا، وفيما قبله حقيقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>