للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استطراد إلى التغليب:

والتغليب باب واسع١ يجري في فنون كثيرة٢؛ كقوله تعالى: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف: ٨٨] أُدخل شعيب -عليه السلام- في: {لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} بحكم التغليب؛ إذ لم يكن شعيب في ملتهم أصلا. ومثله قوله تعالى: {إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ} [الأعراف: ٨٩] , وكقوله تعالى: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: ١٢] عدت الأنثى من الذكور بحكم التغليب٣، وكقوله تعالى: {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ} [البقرة: ٣٤] عد إبليس من الملائكة


١ لا يخفى أن التغليب معدود في المحسنات البديعية، فلا معنى لذكره هنا، وهو إعطاء أحد المتصاحبين أو المتشابهين حكم الآخر بجعله موافقا له في الهيئة أو المادة؛ فالأول كقوله تعالى: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} ، والثاني كالأبوين للأب والأم، وكالقمرين للقمر والشمس. وقيل: إن التغليب من المجاز المرسل لعلاقة المجاورة، أو من باب عموم المجاز، بأن يراد من "القانتين" مثلا الذوات المتصفة بالقنوت، ويصح بهذا أن يُلحَق التغليب بعلم البيان، والحق أنه ليس من المجاز؛ لأن المجاز نقل اللفظ من معنى إلى آخر، أما التغليب فهو كالمشاكَلَة الآتية في البديع، فإنما ينقل فيه المعنى من لباس إلى لباس لا اللفظ، وهذا إلى أنه لا علاقة فيه من مجاورة أو غيرها؛ لأن علاقة المجاورة تكون بين مدلولي اللفظين لا بين اللفظين.
٢ أي: يجري في أساليب من الكلام لاعتبارات مختلفة غير محدودة ولا مضبوطة، وشأنه في ذلك شأن غيره من المحسنات البديعية.
٣ هذا على أن "مِنْ" تبعيضية، ويجوز جعلها ابتدائية على أن المراد بالقانتين آباؤها الأولون كإبراهيم وإسحاق، والأول أبلغ لما في التغليب من الإشعار بأنها بلغت في طاعتها مبلغ أولئك الرجال القانتين حتى عدت منهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>