للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحكم التغليب، وكقوله تعالى: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النمل: ٥٥] بتاء الخطاب، غُلِّب جانب "أنتم" على جانب "قوم"١. ومثله: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: ١٢٣] فيمن قرأ بالتاء٢. وكذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ٢١] غلب المخاطبون في قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} على الغائبين٣ في اللفظ، والمعنى على إرادتهما جميعا؛ لأن "لعل" متعلقة بـ "خلقكم" لا بـ "اعبدوا"٤، وهذا من غوامض التغليب. وكقوله تعالى: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} [الشورى: ١١] فإن الخطاب فيه٥ شامل للعقلاء والأنعام، فغلب فيه المخاطبون٦ على الغُيَّب٧ والعقلاء٨ على الأنعام٩. وقوله تعالى {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} أي: يبثّكم ويُكثركم في هذا التدبير، وهو أن جعل للناس والأنعام أزواجا حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد


١ قيل: إن ذلك التفات من الغيبة إلى الخطاب، ورُدّ بأن الخطاب فيه مسبوق بخطاب مثله، فلم يجر على خلاف السياق حتى يكون التفاتا.
٢ غلب فيها خطاب النبي في قوله تعالى قبل ذلك: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} على من ورد ذكرهم قبله في قوله: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ} .
٣ في قوله: {وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} . والمخاطبون هم الناس في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وهم أمة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
٤ فلو تعلقت به لم يكن ذلك من التغليب؛ لأنه يراد به المخاطبون وحدهم.
٥ أي: في قوله: {يَذْرَؤُكُمْ} .
٦ أي: في قوله: {جَعَلَ لَكُمْ} .
٧ هم: الأنعام.
٨ هم: المخاطَبون.
٩ لأنه جمع ما لا يعقل؛ فالأفصح فيه إفراد الضمير العائد عليه، لكنه غلب عليه العقلاء، فجمع الضمير.

<<  <  ج: ص:  >  >>