للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفعل بعلة إيهام أن القصد إلى فرد دون فرد آخر مع تحقق الحقيقة فيهما تحكّم، ثم جعل قولهم في المبالغة: "فلان يعطي ويمنع، ويصل ويقطع" محتملا لذلك١، ولتعميم المفعول٢ كما سيأتي.

وعده الشيخ عبد القاهر٣ مما يفيد أصل المعنى على الإطلاق من غير إشعار بشيء من ذلك٤.

والأول٥ كقول البحتري يمدح المعتز ويعرّض بالمستعين بالله "من الخفيف":

شجو حساده وغيظ عِدَاه ... أن يرى مبصر ويسمع واعي٦

أي: أن يكون ذا رؤية وذا سمع، يقول: محاسن الممدوح وآثاره لم تخف على من له بصر؛ لكثرتها واشتهارها، ويكفي في معرفة أنها سبب لاستحقاقه الإمامة دون غيره أن يقع عليها بصر ويعيها سمع؛ لظهور دلالتها على ذلك لكل أحد, فحسّاده وأعداؤه يتمنون ألا يكون في الدنيا من له عين يبصر بها وأذن يسمع بها كي يخفى استحقاقه للإمامة, فيجدوا بذلك سبيلا إلى منازعته إياها. فجعل كما ترى مطلق الرؤية كناية عن رؤية محاسنه وآثاره، ومطلق السماع كناية عن سماع


١ أي: لتعميم أفراد الفعل، فيكون المعنى: يفعل كل إعطاء وكل منع وكل صلة وكل قطع.
٢ في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} [يونس: ٢٥] من الضرب الثاني، أي: كل أحد، فيكون المعنى عليه في ذلك: يعطي كل أحد ... إلخ.
٣ دلائل الإعجاز ص١٠١, ١٠٢.
٤ أي: من شمول أفراد الفعل أو المفعول، وهذا هو المختار؛ لأنه المفهوم فيما بين الناس، وما ذكره السكاكي تكلف لا وجه له.
٥ أي: القسم الأول من الضرب الأول, وهو الذي يُجعل الفعل فيه مطلقا، كناية عن الفعل، متعلقا بمفعول مخصوص.
٦ هو للوليد بن عبيد المعروف بالبحتري، والشجو: الحزن، وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل ليصح حمل الخبر عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>