للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالانتفاء١. وإنكار الفعل مختص بصورة أخرى٢، وهي نحو قولك: "أزيدا ضربتَ أم عمرا؟ " لمن يدعي أنه ضرب إما زيدا وإما عمرا دون غيرهما؛ لأنه إذا لم يتعلق الفعل بأحدهما، والتقدير أنه لم يتعلق بغيرهما؛ فقد انتفى من أصله لا محالة، وعليه قوله تعالى: {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ} [الأنعام: ١٤٣] أخرج اللفظ مخرجه؛ إذ كان قد ثبت تحريم في أحد الأشياء ثم أريد معرفة عين المحرَّم، مع أن المراد إنكار التحريم من أصله. وكذا قوله: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس: ٥٩] إذ معلوم أن المعنى على إنكار أن يكون قد كان من الله تعالى إذن فيما قالوه، من غير أن يكون هذا الإذن قد كان من غير الله فأضافوه إلى الله، إلا أن اللفظ أُخرِج مُخْرَجَه إذا كان الأمر كذلك؛ ليكون أشد لنفي ذلك وإبطاله، فإنه إذا نُفِي الفعل عما جُعل فاعلا له في الكلام، ولا فاعل له غيره، لزم نفيه من أصله.

قال السكاكي رحمه الله٣: "وإياك أن يزول عن خاطرك التفصيل الذي سبق٤ في نحو: أنا ضربت، وأنت ضربت، وهو ضرب من احتمال الابتداء، واحتمال التقديم، وتفاوت المعنى في الوجهين، فلا تحملْ نحو قوله تعالى: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس: ٥٩] على التقديم، فليس المراد أن الإذن يُنْكَر من الله دون غيره٥، ولكن احملْه على الابتداء مرادا منه تقوية حكم الإنكار".

<<  <  ج: ص:  >  >>