للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: لا منار، ولا اهتداء، وقوله "من السريع":

ولا ترى الضب بها ينجَحِر١ ... أي: لا ضب، ولا انجحار.

ومن أمثلة الإيجاز أيضا قوله تعالى فيما يخاطب به النبي عليه الصلاة والسلام: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩] ، فإنه جمع فيه مكارم الأخلاق؛ لأن قوله: {خُذِ الْعَفْوَ} أمر بإصلاح قوة الشهوة٢؛ فإن العفو ضد الجهل. قال الشاعر "من الطويل":

خذي العفو مني تستديمي مودتي٣

أي: خذي ما تيسر أخذه وتَسَهَّل.

وقوله: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} أمر بإصلاح قوة الغضب٤، أي: أعرِض عن السفهاء، واحلُم عنهم، ولا تكافئهم على أفعالهم. هذا ما يرجع إليه منها، وأما ما يرجع إلى أمته, فدل عليه قوله: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ} أي: بالمعروف والجميل من الأفعال؛ ولهذا قال جعفر الصادق -رضي الله عنه- فيما روي عنه: أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لها من هذه الآية.

ومنها قول الشريف الرضي "من الكامل":

مالوا إلى شُعَب الرحال وأسندوا ... أيدي الطعان إلى قلوب تَخْفِق٥

فإنه لما أراد أن يصف هؤلاء القوم بالشجاعة في أثناء وصفهم بالغرام، عبّر عن ذلك بقوله: "أيدي الطعان".

ومنها ما كتب عمرو بن مسعدة عن المأمون، لرجل يُعنَى به، إلى بعض العمال؛ حيث أمره أن يختصر كتابه ما أمكن: "كتابي إليك كتاب واثق بمن كتب إليه، معنيّ بمن كُتب له، ولن يضيع بين الثقة والعناية حامله".

<<  <  ج: ص:  >  >>