ولقد ذكرتُكِ والظلام كأنه ... يوم النوى وفؤاد من لم يعشق١
فإنه لما كانت أيام المكاره توصف بالسواد توسعا؛ فيقال:"اسودّ النهار في عيني، وأظلمت الدنيا عليَّ"، وكان الغَزِل يدعي القسوة على من لم يعشق، والقلب القاسي يوصف بالسواد توسعا، تخيل يوم النوى وفؤاد من لم يعشق شيئين لهما سواد، وجعلهما أعرف به، وأشهر من الظلام، فشبّهه بهما.
وكذا قول ابن بَابَك:
وأرض كأخلاق الكرام قطعتها ... وقد كحّل الليل السماك فأبصرا٢
فإن الأخلاق لما كانت توصف بالسعة والضيق تشبيها لها بالأماكن الواسعة والضيقة، تخيل أخلاق الكرام شيئا له سعة، وجُعل أصلا فيها، فشبه الأرض الواسعة بها. وكذا قول التنوخي:
فانهض بنار إلى فحم كأنهما ... في العين ظلم وإنصاف قد اتفقا٣
فإنه لما كان يقال في الحق:"إنه منير واضح"، فيستعار له صفة الأجسام المنيرة، وفي الظلم خلاف ذلك، تخيلهما شيئين لهما إنارة وإظلام، فشبه النار والفحم مجتمعَين بهما مجتمعين.
وكذا ما كتب به الصاحب إلى القاضي أبي الحسن٤, وقد أهدى له الصاحب عطر القُطْر:
وقال له: هل سمعت هذا المعنى؟ فقال ابن رشيق: سمعته، وأخذتَه أنتَ وأفسدتَه؛ أما الأخذ فمن النابغة الذبياني حيث يقول:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وهل يأثََمْن ذو إمّة وهو طائع٥
وأما الإفساد؛ فلأن سبابة المتندم أول شيء يتألم منه؛ فلا يكون المعاقَب غير الجاني، وهذا بخلاف بيت النابغة؛ فإن المكوي من الإبل يألم وما به عُرّ البتة، وصاحب العر لا يألم جملة٧.