ومن لطيف ذلك قول الأعشى١ يصف السفينة في البحر, وتقاذف الأمواج بها:
تَقِصّ السَّفِين بجانبيه كما ... يَنْزُو الرباح خلا له كَرْع٢
قال الشيخ عبد القاهر٣: الرباح: الفصيل، والكرع: ماء السماء؛ شبّه السفينة في انحدارها وارتفاعها بحركات الفصيل في نزوه؛ فإنه يكون له حينئذ حركات متفاوتة تصير له أعضاؤه في جهات مختلفة، ويكون هناك تسفل وتصعد على غير ترتيب، وبحيث يكاد يدخل أحدهما في الآخر، فلا يتبينه الطرف مرتفعا حتى يراه متسفلا، وذلك أشبه شيء بحال السفينة وهيئة حركتها حين تتدافعها الأمواج.
ومنه قول الآخر:
حُفّت بسَرْو كالقيان تلحفت ... خضر الحرير على قوام معتدل
فكأنها والريح جاء يُميلها ... تبغي التعانق ثم يمنعها الخجل٤
فإن فيه تفصيلا دقيقا؛ وذلك أنه راعى الحركتين: حركة التهيؤ للدنوّ والعناق، وحركة الرجوع إلى أصل الافتراق، وأدى ما يكون في الثانية من سرعة زائدة تأدية لطيفة؛ لأن حركة الشجرة المعتدلة في حال رجوعها إلى اعتدالها أسرع لا محالة من حركتها في حال خروجها عن مكانها من الاعتدال، وكذلك حركة من يدركه الخجل فيرتدع أسرع من حركة من يهم بالدنو؛ لأن إزعاج الخوف أقوى أبدا من