للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما جازه جود ولا حل دونه ... ولكن يصير الجود حيث يصير١

فإنه كنى عن جميع الجود بأن نكّره٢، ونفى أن يجوز ممدوحه ويحل دونه فيكون متوزعا, يقوم منه شيء بهذا وشيء بهذا، و"كنى" عن إثباته له بتخصيصه بجهته بعد تعريفه باللام التي تفيد العموم٣، ونظيره قولهم: "مجلس فلان مَظِنّة الجود والكرم" هذا قول السكاكي٤.

وقيل: كنَى بالشطر الأول عن اتصافه بالجود، وبالثاني عن لزوم الجود له، ويحتمل وجها آخر؛ وهو أن يكون كل منهما كناية عن اختصاصه به، وعدم الاقتصار على أحدهما للتأكيد والتقرير، وذكرهما على الترتيب المذكور؛ لأن الأولى بواسطة٥، بخلاف الثانية.

وكقولهم: "مثلك لا يبخل"، قال الزمخشري: نفوا البخل عن مثله، وهم يريدون نفيه عن ذاته، قصدوا المبالغة في ذلك فسلكوا به طريق الكناية؛ لأنهم إذا نفوه عمن يسد مسده وعمن هو على أخص أوصافه؛ فقد نفوه عنه، ونظيره قولك للعربي: "العرب لا تَخْفِر الذمم" فإنه أبلغ من قولك: "أنت لا تخفر".

ومنه قولهم: "أيفعتْ لِداتُه، وبلغت أترابه" يريدون: إيفاعه وبلوغه.

وعليه قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ٦ على أحد الوجهين وهو أن لا تجعل الكاف زائدة، قيل: وهذا غاية لنفي التشبيه، إذ لو كان له مِثْل، لكان كمثله شيء

<<  <  ج: ص:  >  >>