للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإما لإيهام أن في تركه تطهيرا له عن لسانك، أو تطهيرا للسانك عنه١.

وإما ليكون لك سبيل إلى الإنكار إن مست إليه حاجة٢.

وإما لأن الخبر لا يصلح إلا له، حقيقة أو ادعاء٣.

وإما لاعتبار آخر مناسب لا يهتدي إلى مثله إلا العقل السليم والطبع المستقيم٤, كقول الشاعر "من الخفيف":

قال لي: كيف أنت؟ قلت: عليل ... سهر دائم وحزن طويل٥


١ قيل: إن لفظ "إيهام" هنا لا داعي إليه، وكذلك لفظ "تخييل" فيما سبق؛ لأن ذلك يقع حقيقة لا تخييلا ولا إيهاما، والأول كقولك: "خاتم الأنبياء" أي: محمد صلى الله عليه وسلم، والثاني سيأتي في أمثلة الإيضاح.
٢ هذا كقولك: "فاجر" تريد رجلا معروفا، فلا تذكره لتقول عند الحاجة ما أردته.
٣ الأول كقوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: ٩] ، والثاني كقولك: "وَهّاب الألوف" تريد كريما, لا تذكره ادعاء لتعينه وشهرته.
٤ من ذلك تعجيل المسرة أو المساءة كقولك للسائل: "دينار". ومنه المحافظة على وزن أو سجع؛ كقولهم: "من طابت سريرته حمدت سيرته". فلو قيل: "حمد الناس سيرته" لفات السجع، وإني أرى أن هذا غرض يراعى من أجل محسن بديعي، فلا يفوت بتركه إلا ذلك المحسن، ولا يكون مقامه في البلاغة كغيره، وقد ذكر بعضهم من أغراض الحذف اتباع الاستعمال الوارد على تركه، كما في قولهم: "رمية من غير رام" أو على ترك نظائره؛ كالرفع على المدح أو الذم في النعت المقطوع، واعتُرض عليه بأن الحذف في ذلك ليس لأغراض بلاغية، وإنما يرجع إلى اقتضاء العربية له، وأجيب بأن هذا الحذف مع وجوبه عربية لا يصار إليه إلا لغرض بلاغي يقتضيه، وهو جواب ظاهر الضعف؛ لأنه لا معنى لتوقف الحذف على الغرض البلاغي مع وجوبه في ذاته؛ إذ لا بد منه, وجد هذا الغرض أو لم يوجد.
٥ لا يعلم قائله، والشاهد في قوله: "عليل"؛ لأن التقدير: أنا عليل, وفي قوله: "سهر دائم"؛ لأن التقدير: حالي سهر دائم، والحذف فيه للاختصار والاحتراز عن العبث مع ضيق المقام بسبب الضجر والشعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>