للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني ... وأشمتّ بي من كان فيك يلوم١

وإما لأن المقام مقام الغيبة؛ لكون المسند إليه مذكورا أو في حكم المذكور لقرينة٢؛ كقوله "من الوافر":

من البيض الوجوه بني سنان ... لو أنك تستضيء بهم أضاءوا

هم حلوا من الشرف المعلى ... ومن حسب العشيرة حيث شاءوا٣

وقوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: ٨] أي: العدل، وقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: ١١] أي: ولأبوي الميت٤.

وأصل الخطاب أن يكون لمعين، وقد يُترك إلى غير معين٥؛ كما تقول: "فلان لئيم، إذا أكرمتَه أهانك، وإن أحسنتَ إليه أساء إليكَ" فلا تريد مخاطبا بعينه، بل تريد إن أُكرم أو أُحسن إليه، فتُخرجه في صورة الخطاب؛ ليفيد العموم؛ أي: سوء معاملته غير مختص بواحد دون واحد. وهو في القرآن كثير، كقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [السجدة: ١٢] أُخرج في صورة الخطاب لما أريد العموم للقصد إلى تفظيع حالهم، وأنها تناهت في الظهور حتى امتنع خفاؤها؛ فلا تختص بها رؤية راءٍ مختص به، بل كل من يتأتى منه الرؤية داخل في هذا الخطاب٦.


١ هو لأمامة الخثعمية تخاطب ابن الدمينة الشاعر، وكان يتغزل بها في شعره، ثم تزوجها بعد ذلك، وقد وردت في أكثر شعره "أميمة" بتصغير الترخيم.
٢ بهذا يمتاز مقام ضمير الغيبة عن مقام الاسم الظاهر؛ لأنه للغيبة أيضا.
٣ هما لأبي البرج القاسم بن حنبل المري، في زفر بن أبي هاشم بن مسعود، وقبلهما:
أرى الخِلّان بعد أبي حبيب ... بحجر في جنابهم خفاء
وبياض الوجه كناية عن السيادة والشرف. والشاهد في ضمائر الغيبة الأربعة في البيتين.
٤ المثالان في الآيتين لعود الضمير على ما هو في حكم المذكور، والقرينة في الأول لفظية، وفي الثاني حالية.
٥ فيدل على العموم البدلي بطريق المجاز أو الحقيقة. وقيل: إن ذلك من الإخراج على خلاف مقتضى الظاهر؛ لأن قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى} الظاهر فيه: ولو يرى أن كل أحد. ومثل هذا هو الذي يعد من وجوه البلاغة في هذا الباب؛ لما فيه من تلك المزية الظاهرة، ويمكن أن يعد منها الالتفات الآتي، واستعمال ضمير الجمع في الواحد، ونحو ذلك مما لا يدخل في المعاني النحوية للضمائر.
٦ منه أيضا قول الشاعر "الطويل":
إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها ... هوانا بها كانت على الناس أهونا
وقول الآخر "الوافر":
إذا ما كنت ذا قلب قنوع ... فأنت ومالك الدنيا سواء

<<  <  ج: ص:  >  >>