وَقَالَ الطَّائِيُّ:
كَمْ مَنْزَلٍ فِي الْأَرضِ يَأْلَفُهُ الْفَتَى ... وَحَنِينُهُ أَبَدًا لِأَوَّلِ مَنْزِلِ
نَقِّلْ فُؤَادَكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ الْهَوَى ... مَا الْحُبُّ إِلا لِلْحَبِيبِ الَأَوَّلِ
وَقَالَ آخَرٌ:
أَقُولُ لِصَاحِبِي وَالْعِيسُ تَحْدُو ... بِنَا بَيْنَ الْمَنِيفَةِ فَالضِّمَارِ
تَزَوَّدْ مِنْ شَمِيمِ عَرَارِ نَجْدٍ ... وَرِيَّا رَوْضِهِ غِبَّ الْقِطَارِ
وَعَيْشُكَ إِذَ يَحِلُّ الْقَوْمُ نَجْدًا ... وَأَنْتَ عَلَى زَمَانِكَ غَيْرُ زَارِي
شُهُورٌ انْقَضَيْنَ وَمَا شَعُرْنَا ... بِإِنْصَافٍ لَهُنَّ وَلا سِرَارِ
وَالْعَرَارُ: نَبْتٌ طَيِّبُ الرِّيحِ.
وَالْقِطَارُ: مِنَ الْقَطْرُ، وَهُوَ الْمَطَرُ.
وَالزَّارِي: الْغَائِبُ.
وَفِي السِّرَارِ لُغَتَانِ: يُقَالُ: هُوَ سِرَارُ الشَّهْرِ وَسِرَارُهُ، وَالسِّرَارُ: الْلَيْلَةُ الَّتِي يُسْتَسَرُّ فِيهَا الْقَمَرُ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ فَلا يُرَى وَرُبَّمَا اسْتَسَرَّ لَيْلَتَيْنِ.
وَلابْنِ الرُّومِيِّ:
وَحَبَّبَ أَوْطَانَ الرِّجَالِ إلَيْهِمْ ... مَآرِبُ قَضَاهَا الشَّبَابُ هُنَالِكَا
إِذَا ذَكَرُوا أَوْطَانَهُمْ ذَكَّرَتْهُمْ ... عُهُودُ الصِّبَا فِيهَا فَحَنُّوا لِذَلِكَا
وَهَذَا الْجَوَابُ فِيهِ غُمُوضٌ يَحْتَاجُ إِلَى ذِي ذَوْقٍ، وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى بَعْضِ مَا يَكْشِفُهُ فِي أَوَّلِهِ، وَأَعْلَمْتُ أَنَّ لِلنَّفْسِ عِلْمًا قَدْ تَنَاسَتْهُ، فَهِيَ تَنْزِعُ بِالطَّبْعِ إِلَى حُبِّ الْوَطَنِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ أَنَّهُ كَانَ، وَيَقْوَى شَوْقُهَا إِلَيْهِ بِقَدْرٍ حَظِّهَا الْأَوَّلِ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ زَادَ شَوْقُ الْقَوِيِّ الْإِيمَانِ عَلَى مَنْ ضَعُفَ إِيمَانُهُ، فَكَأَنَّ الْإِيمَانَ ذَكَّرَهُ مَا هُنَاكَ، كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:
لا يَذْكُرُ الرَّمْلَ إِلا حِنٌّ مُغْتِرِبٌ ... لَهُ بِذِي الرَّمْلِ أَوْطَارٌ وَأَوْطَانُ
تَهْفُو إِلَى الْبَانِ مِنْ قَلْبِي نَوَازِعُهُ ... وَمَا بِيَ الْبَانُ بَلْ مَنْ دَارُهُ الْبَانُ
أَسُدُّ سَمْعِيَ إِذَا غَنَّى الْحَمَامُ بِهِ ... أَنْ لا يُهَيِّجَ سِرَّ الْوَجْدِ إِعْلانُ
وَرُبَّ دَارٍ أَوَّلِيهَا مُجَانَبَةٍ ... وَلِي إِلَى الدَّارِ إِطْرَابٌ وَأَشْجَانُ
إِذَا تَلَفَّتُّ فِي أَطْلالِهَا ابْتَدَرَتْ ... لِلْقَلْبِ وَالْعَيْنِ أَمْوَاهٌ وَنِيرَانُ