رَأَيْتُ فَتًى فِي فِنَاءِ الْكَعْبَةِ جَالِسًا يَبْكِي، فَقُلْتُ لَهُ: مِمَّ بُكَاؤُكَ؟ فَقَالَ أَنَا الْغَرِيبُ الْمَطْلُوبُ، فَعَرَفْتُ مَعْنَى كَلامِهِ، فَجَلَسْتُ أَبْكِي، وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى قَضَى نَحْبَهُ، فَخَرَجْتُ فَاشْتَرَيْتُ لَهُ كَفَنًا، ثُمَّ عُدْتُ فَلَمْ أَرَهْ، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَنْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ فَحَظِيَ بِثَوَابِهِ؟ فَإِذَا بِهَاتِفٍ يَهْتِفُ بِي: يَا ذَا النُّونِ، هَذَا الْغَرِيبُ الَّذَيِ طَلَبَهُ إِبْلِيسُ فِي الدُّنْيَا فَلَمْ يَرَهُ، وَطَلَبَهُ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ فَلَمْ يَرَيَاهُ، وَطَلَبَهُ رِضْوَانٌ خَازِنُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يَرَهُ، فَقُلْتُ: أَيْنَ هُوَ يَا سَيِّدِي؟ فَقَالَ: هُوَ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ
! ٢٢٦ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْفَقِيهِ، أَنْبَأنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الأَدَمِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ عَمْرُو بْنُ وَاصِلٍ: صَحِبْتُ رَجُلا مِنَ الأَوْلِيَاءِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَنَالَتْهُ فَاقَةٌ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَعَدَلَ إِلَى مَسْجِدٍ فِي أَصْلِ جَبَلٍ، وَإِذَا فِيهَا بِئْرٌ عَلَى بَكَرَةٍ وَحَبْلٍ، وَدَلْوٍ، وَمَطَهْرَةٌ عِنْدَ الْبِئْرِ، وَشَجَرَةُ رُمَّانٍ لَيْسَ فِيهَا حَمْلٌ، فَأَقَامَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَى الْمَغْرِبِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْوَقْتُ، فَإِذَا بِأَرْبَعِينَ رَجُلا عَلَيْهِمُ الْمُسُوحُ، وَفِي أَرْجُلِهِمْ نِعَالُ الْخُوصِ قَدْ دَخُلُوا الْمَسْجِدَ، فَسَلَّمُوا، وَأَذَّنَ أَحَدُهُمْ وَأَقَامَ الصَّلاةَ، وَتَقَدَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ صَلاتِهِمْ، تَقَدَّمُوا إِلَى الشَّجَرَةِ، فَإِذَا فِيهَا أَرْبَعُونَ رُمَّانَةً غَضَّةً طَرِيَّةً، فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رُمَّانَةً وَانْصَرَفَ، قَالَ: وَبِتُّ عَلَى فَاقَتِي، فَلَمَّا كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَخَذُوا فِيهِ الرُّمَّانَ، أَقْبَلُوا أَجْمَعُونَ، فَلَمَّا صَلَّوْا وَأَخَذُوا الرُّمَّانَ، قُلْتُ لَهُمْ: يَا قَوْمُ، أَنَا أَخُوكُمْ فِي الإِسْلامِ، وَبِي فَاقَةٌ شَدِيدَةٌ، فَلا كَلَّمْتُمُونِي وَلا وَاسَيْتُمُونِي.
فَقَالَ رَئِيسُهُمْ: إِنَّا لا نُكَلِّمُ مَحْجُوبًا بِمَا مَعَهُ، فَامْضِ وَاطْرَحْهُ وَرَاءَ هَذَا الْجَبَلِ فِي الْوَادِي وَارْجِعْ إِلَيْنَا حَتَّى تَنَالَ مَا نَنَالُ.
قَالَ: فَرَقَيْتُ الْجَبَلَ، وَلَمْ تَسْمَحْ نَفْسِي بِرَمْيِ مَا مَعِي، فَدَفَنْتُهُ، وَرَجَعْتُ.
قَالَ لِي: رَمَيْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: فَرَأَيْتَ شَيْئًا؟ قُلْتُ: لا.
قَالَ: فَمَا رَمَيْتَ بِهِ إِذًا.
فَقَالَ لِي: فَارْجِعْ فَارْمِ بِهِ فِي الْوَادِي، فَفَعَلْتُ، فَإِذَا قَدْ غَشِيَنِي مِثْلُ الدِّرْعِ نُورٌ، فَرَجَعْتُ فَإِذَا فِي الشَّجِرَةِ رُمَّانَةٌ فَأَكَلْتُهَا، فَاسْتَغْنَيْتُ بِهَا مِنَ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَلَمْ أَلْبَثْ دُونَ الْمُضِيِّ إِلَى مَكَّةَ، فَإِذَا بِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute