للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَيْنَ زَمْزَمَ وَالْمَقَامِ، وَأَقْبَلُوا عَلَيَّ بِأَجْمَعِهِمْ يَسْأَلُونِي عَنْ حَالِي، فَقُلْتُ: قَدْ غَنِيتُ عَنْكُمْ وَعَنْ كَلامِكُمْ آخِرًا كَمَا أَغْنَاكُمُ اللَّهُ عَنْ كَلامِي أَوَّلا، فَمَا فِيَّ لِغَيْرِ اللَّهِ مَوْضِعٌ

! ٢٢٧ كَذَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ سَهْلٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ وَاصِلٍ، وَالصَّوَابُ عُمَرُ، عَنْ سَهْلٍ.

وَيُحْكَى عَنِ الشَّبْلِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ بَدَوِيًّا بِمَكَّةَ يَخْدِمُ الصُّوفِيَّةَ وَيَتَحَنَّنُ عَلَيْهِمْ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ سَبِبِ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: كُنْتُ بِالْبَادِيَةِ، وَإِذَا بِغُلامٍ حَافٍ، مَكْشُوفِ الرَّأْسِ، مَا مَعَهُ رَكْوَةٌ وَلا عَصَى، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أُدْرِكُ الْفَتَى، فَإِنْ كَانَ جَائِعًا أَطْعَمْتُهُ، أَوْ عَطْشَانًا سَقَيْتُهُ، أَوْ ضَالا هَدَيْتُهُ، فَبَادَرْتُ إِلَيْهِ حَتَّى بَقِيَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ذِرَاعٌ، فبَعُدَ مِنِّي حَتَّى غَابَ عَنْ عَيْنِي، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا شَيْطَانٌ، فَإِذَا بِهِ يُنَادِي: لا بَلْ سَكْرَانُ.

فَنَادَيْتُهُ بِالَّذِي بَعَثَ مُحَمْدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا: أَلا وَقَفْتَ.

فَقَالَ: يَا فَتَى أَتْعَبْتَنِي وتَعِبْتَ.

فَقُلْتُ لَهُ: رَأْيَتُكَ وَحْدَكَ فَأَرَدْتُ خِدْمَتَكَ.

فَقَالَ: مَنْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَهُ فَلَيْسَ وَحْدَهُ.

فَقُلْتُ: مَا أَرَى مَعَكَ زَادًا؟ فَقَالَ: إِذَا جُعْتُ فَذِكْرُهُ زَادِي، وَإِذَا عَطِشْتُ فَمُشَاهَدَتُهُ سُؤْلِي وَمُرَادِي.

فَقُلْتُ: أَنَا جَائِعٌ أَطْعِمْنِي.

فَقَالَ: أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ؟ قُلْتُ: بَلَى، وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، فَضَرَبَ بِيَدِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ، وَكَانَتِ الأَرْضُ رَمْلَةً، فَقَبَضَ قَبْضَةً، وَقَالَ: يَا مَخْدُوعُ، وَإِذَا بِهِ سَوِيقٌ يُحَمَّصُ أَلَذُّ مَا يَكُونُ، فَقُلْتُ: مَا أَلَذَّهُ، فَقَالَ: فِي الْبَادِيَةِ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ لَوْ عَقِلْتَ.

فَقُلْتُ لَهُ: حَلِنِي.

فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ، وَإِذَا قَدْ نَبَعَتْ عَيْنٌ مِنْ عَسَلٍ، فَجَلَسْتُ لآكُلَ مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَمَا رَأَيْتُهُ، فَأَنَا أَخْدِمُ الْفُقَرَاءَ لَعَلِّي أَرَى مِثْلَ ذَلِكَ الْفَتَى

!

<<  <   >  >>