في شرح مسلم بتحريم رواية الأحاديث الموضوعة على من عرفها أو غلب على ظنه وضعها فمن روى حديثًا علم وضعه أو ظن وضعه فهو مندرج في الوعيد ولا فرق في تحريم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم بين ما كان في الأحكام وبين ما لا حكم فيه كالترغيب والترهيب والمواعظ وغير ذلك من أنواع الكلام فكله حرام من أكبر الكبائر وأقبح القبائح بإجماع المسلمين، وقد أجمع أهل الحل والعقد على تحريم الكذب على آحاد الناس فكيف بمن قوله شرع وكلامه وحي والكذب عليه كذب على الله تعالى.
ثم قال يا أهل الوعظ ناديتم بالتوسل بالصالحين والأولياء إلى الله الذي لا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء وقلتم ما هذا كفرًا إن هذا إلا توسط بيننا وبين الله تعالى في قضاء حاجاتنا وأمورنا والله جل شأنه قد صرح بأن تلك العقيدة من عقائد المشركين وقد نعاها عليهم في قوله:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} .
يا أهل الوعظ شاركتم عبدة الأوثان في اعتقادهم فإن هؤلاء ما كانوا يعيدونها لذاتها بل باعتقاد أنها تقربهم إلى الله تعالى:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وقد جاء في سورة الفاتحة التي نقرؤها ونكررها كل يوم في الصلاة "وإياك نستعين" فلا استعانة إلا به جل شأنه.
يا أهل الوعظ جاءنا القرآن بأن لا يدعى أحد مع الله ولا يقصد أحد سواه فقال:{فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} وقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ} والصمد هو الذي يقصد في الحاجات ويتوجه إليه المربوبون في معونتهم على ما يريدون وما يحبون وما يطلبون. والاتيان بالخبر على هذه الصورة يفيد الحصر كما هو معروف عند اللغوين فلا صمد سواه.
يا أهل الوعظ أرشدنا القرآن إلى وجوب القصد إلى الله وحده باصرح عبارة في قوله:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} فلا يتوسل إليه تعالى بغيره فإن المقصود بالتوسل على ما تزعمون إنما هو طلب القرب منه تعالى، وقد أخبرنا الله تعالى أنه قريب وهو أصدق القائلين.