أن من خالفنا في المذهب على خير وهدى وتقوى وكلهم أتباع دين واحد وكتاب منزل واحد وأنّا ببركة الدين إخوان في اليقين وأن الاقتداء بالغير صحيح وتقليده جائز ما دمنا لا نقدر على الأخذ من الأصلين وأن البعثة النبوية إنما كانت لتأليف القلوب وجمعها لا لتناكرها وتنافرها وهكذا فيمتلئ فؤاد الطالب حبًّا للأئمة ولأتباعهم وللآخذين بأقوالهم فلا تراه بعدها يشن الغارة على مخالفه ولا يحط من كرامة غيره ولا يتخذ الفقه سلاحًا يقاتل به عن متبوعه، بل تراه فقيهًا تنبيهًا صالحًا كاملًا مجلًا للسلف ولكل من تقلد من أقوالهم أو رأى رأيهم عملًا بما قيل "وكلهم من رسول الله ملتمس" وكذلك مدرس الحديث يجب عليه أن تكون طريقته محو التعصب والقيام على تأليف القلوب ولطالما كان يشتكي العقلاء من قارئي كتب الحديث تعصبًا يفضي إلى ما هو شر من تعصب الفقيه وذلك لأن قارئه المتصدي لإسماعه إذا كان غير حكيم فقد يقرأ الحديث -وناهيك جلالته في القلوب- ويكون مما يستدل به على حكم مختلف فيه فتراه هناك إذا كان موافقًا لمذهبه يأخذ في شرحه وما يستفاد منه ويهش له وتبرق أسارير وجهه وقد يكون في مجلسه مقلد لم ير أمامه هذا الحديث دليلًا لما قام لديه والمقلد بعد لم يتنور فكره بالتبصر التام فتراه علته كآبة وربما أخذته رعدة تألمًا من أن يحتج على مذهبه أو يضعف دليله، وإذا كان في المجلس عدد وهم مختلفون في المذهب ومقلدون على ما شرحنا فلا تسمع إلا صيحات ومناقشات وتمحلات واعتسافات مدافعة عن المذهب، وقد يكون الشيخ مع أحد الفريقين، فترى الحديث المصان، كأنه أكره بين أيدي صبيان، مما تتفطر له أفئدة العقلاء. فالطريقة العليا في رفع هذا الخلاف، وجذب الأفئدة إلى الائتلاف هو أن يكون الشيخ متهيبًا في مجلسه، وقورًا في قراءته، حكيمًا في أسلوبه، فإذا ورد عليه حديث يعلم أن من الأئمة من تمسك بغيره وتوبع عليه أن يقول دل هذا الحديث على كذا وبه أخذ الإمام فلان عليه الرحمة وقد تمسك غيره بحديث آخر إما لأنه لم يبلغه أو بلغه ورأى غيره أقوى من هذا فإن أنظار الأئمة دقيقة وليس الأخذ بالصحيح بمجرد كونه