روي في الصحاج فقط بل لا بد للاحتجاج به من شروط أخرى معروفة في الأصول.
ومعلوم أن الأئمة قصدهم حماية الدين النبوي وحفظه والرغبة في التمسك به لا الحيادة عن سبيله حاشا فحينئذ من تمسك بما قرأناه الآن فهو على هدى وبينة ومن تمسك بغيره فهو على هدى وبينة. ثم يقول لهم: بقي أن التراجيح دقيقة فقد يرجح إمام ما لم يرجحه الآخر لاختلاف مشاربهم وحينئذ فلا ملام على إمام. نعم قد يؤسف لمن يرى قوة أحد المأخذين ويتعسف في التأويل لمجرد التقليد فحق العاقل الذي منح هذه المنحة العظمى منحة العقل، منحة نور الفهم والتمييز أن ينظر كما نظروا ويفحص كما فحصوا. فإذا تبين له قوة دليل اعتنقه لكونه الحق لا تحزبًا لفلان بل وقوفًا مع الأقوى فإن الرجال تعرف بالحق لا الحق بالرجال. وهكذا يرشدهم بلطف ويجمع قلبهم على الحب ويأخذ بأيديهم إلى النظر الصحيح، أما من يبقى على تعصبه وتحزبه بلا تأويل صحيح ولا إرشاد ولا رغبة في الصحيح والقوي أو اهتمام أعمال الفكر في ذلك فيحرم عليه قراءة الحديث حرمة لا يرتاب فيها أحد لأنه يكون عرض كلام الرسول صلوات الله عليه لتمزيق حواشيه والتلاعب فيه، ومثاله مثال من عرض سلعة على راغب عنها، ومعلوم ما في ذلك١.
بقي شيء آخر في مدرس الحديث وهو أن يكون ممن يقرأ الصحيحين ويكون روى في غيرهما رواية تخالف ما فيهما فتراه يأخذ في الجمع بينهما مع أن الرواية الأخرى ما هي على شرط الصحيح ولا يحتاج إلى النظر فيها
١ قلت: في هذا التحريم نظر بَيِّن عندي، وطرده يودي إلى تحريم تلاوة القرآن أيضًا على مثل هذا المتعصب، ولا يخفى ما فيه. والصواب، أن يؤمر بقراءة الحديث والتفقه فيه والعمل به، وينهى عن التعصب لمذهبه، وتكلف تأويل الحديث من أجله. "ناصر الدين".